ما أسباب أوضاع السوق الحالية؟ وكيف يمكن للمستثمرين التصدي لها؟

في الأسبوع الماضي أكملت سوق الأسهم السعودية 13 جلسة انخفاض متتالية، والتي تمثل أطول مدة متتالية من الجلسات المنخفضة منذ 1998م (أي منذ ما يزيد على 13 عاما). والجدير بالذكر أن تواتر الجلسات المنخفضة أطول من تلك في 2006م أو 2008م. فكيف يمكننا أن نقيم الوضع الراهن؟ وماذا ينبغي أن نفعل الآن؟
في البداية لا بد من القول إن النظرة المالية والاقتصادية البحتة (سواء للسوق أو الاقتصاد بشكل عام) تظل قوية جداً بمعظم المقاييس، فربحية معظم الشركات في ازدياد، والقطاع المصرفي خرج للتو من سنة قام فيها بتنظيف قوائمه المالية من معظم مخصصات الديون، والمالية الحكومية في وضع ممتاز نظرا لتزامن زيادة أسعار النفط مع ارتفاع الإنتاج، كما أن قرارات الحكومة الأخيرة أدت وستؤدي إلى ضخ كثير من السيولة في الاقتصاد ما له أثر كبير في تحفيز الاقتصاد ودفع عجلته. ولكن المتابع للسوق سرعان ما يكتشف أن هذه المعايير هي غير ذات أهمية لمعظم المستثمرين والذين يسيطر عليهم الآن الهاجس السياسي والأمني في المقام الأول. ولعل ذلك يرجع إلى دوافع رئيسية، منها:
انتشار عدوى المظاهرات لعدد أكبر من دول المنطقة ووصولها مؤخراً لسواحل الخليج العربي الذي طالما حس المراقبون أنه بمنأى عن هذه التيارات، ووجود توقعات بإصدار عدد من القرارات الهيكلية والتنظيمية حال عودة خادم الحرمين الشريفين، ما أدى لمزيد من الترقب.
من هذا المنطلق، وفي هذا الموضع، ماذا ينبغي للمستثمر أن يفعله ليوقف النزيف في استثماراته ومدخراته؟
في هذا الصدد لي أن أتقدم بأربع توصيات:
1. لا تفزع!
فالكثير يؤمنون أن عالم الاستثمار تسيطر عليه غريزتان أساسيتان هما الجشع من ناحية، والخوف من ناحيةٍ أخرى. والمستثمر الناجح هو ذاك الشخص الذي يستطيع الموازنة بين هاتين الغريزتين باستمرار دون أن تطغى إحداهما على الأخرى، ولا شك أن هذا ليس بالأمر السهل، حيث تسيطر غريزة الخوف عند انخفاض الأسواق فيقول القائلون إن ''الوضع كله دمار وما يردّك إلا القاع!''، مما يقود المستثمرين لنسيان الجشع تماما والانقياد للخوف والإحباط، فكأنما العالم سينتهي غدا. ومن ينقاد لهاتين الغريزتين تماماً ينتهي به الحال لأن يدخل في الاستثمار في أوج الفورة ويخرج في القاع (مما يضر بصحتك المالية). وفي هذا الصدد فإن أبرز ما سمعته هو قولٌ لأسطورة الاستثمار (وارين بافيت) أن الاستثمار هو كالدخول في شركة مع شريك مصاب بمرض الفصام، ففي بعض الأيام يكون منتشياً ولا يرى السيئ في أي شيء فيرغب بشراء حصتي بثلاثة أضعاف قيمتها، وفي أحيان أخرى يصاب بالاكتئاب حتى يقارب الانتحار فيرغب ببيعي حصته بثلث قيمتها، وكل ما علي كمستثمر جيّد هو السماح له بذلك، فأبيع عليه إذا انتشى وأشتري منه إذا اكتأب.
2. احرص على التنويع.
فلو نظرنا على سبيل المثال لفترة السنوات الأربع الممتدة من يناير 2007م إلى يناير 2011م، فسنجد أن أسواق الخليج بشكل عام قد حققت خسائر تبلغ في متوسطها -2.2 في المائة سنويا، بينما الشخص الذي استثمر في محفظة متوازنة ومنوعة بين أسواق الأسهم المختلفة (الخليجية والنامية والمتطورة) والصكوك والمرابحات كان سيحقق عائدا سنويا إيجابيا خلال الفترة ذاتها ويبلغ في متوسطه 2.3 في المائة سنويا. ومن الجدير بالذكر أن العوائد كانت ستكون أفضل مع تحمل قدر أقل من المخاطرة نظرا للتنويع.
3. من قبيل النقطة السابقة قد يجد البعض ملاذا آمنا في المرابحات والصكوك والتي تعد أقل مخاطرة من الأسهم، كما قد يفضل البعض تخصيص جزء من محفظة الأسهم للذهب والذي يعد ملاذا أساسيا في وقت الأزمات العالمية (مع العلم أن أسعار الذهب تعد عالية اليوم بالنظر لمستوياتها التاريخية)، أو للبترول، خصوصا إذا كان المستثمر يتوقع استمرار أو ازدياد الضبابية في المنطقة ما يتوقع معه ارتفاع أسعار البترول.
4. إذا كنت تخاف من استثمار أو سوق بعينها، فمن الأفضل تحديد نسبة خسارة معينة هي أقصى خسارة تتحملها، ومن ثم تخرج من السوق تلقائياً ببلوغها. وذلك أفضل من محاولة تقدير الوقت المناسب للدخول والخروج بشكل فردي وتقديري لأن ذلك يعرضك أكثر للدخول في متاهة غريزتي الجشع والخوف اللتين ذكرتهما في النقطة الأولى بعاليه.
أرجو أن يكون في هذه التوصيات بعض الفائدة لأعزائي القراء، وأتمنى لكم الثبات والنجاح في استثماراتكم وفي حياتكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي