السياسة المالية البريطانية مقامرة ضخمة
''أجد أن فكرة التراجع المالي التوسعي في سياق العالم الذي نعيش فيه تحتوي على تناقض لفظي تام كما تبدو (...) وإذا تمتعت بريطانيا بطفرة خلال العامين المقبلين (...) فسيكون مطلوبا مني أن أكون شديد الندم فيما يتعلق بجدية الأحكام الخاطئة الصادرة عني. وبإمكانك أن تحكم على الأمور – وأولئك الذين يعرفونني من بينكم – حول مدى ضخامة المخاطرة التي أقدم عليها بوضع نفسي في موقف من الندم الشديد. ولذلك يحتمل أن تستنتجوا أنني شبه متأكد من أن هذه التجربة لن تكون ناجحة تماماً''.
كانت هذه إجابة لورنس سمرز، كبير المستشارين الاقتصاديين السابق للرئيس باراك أوباما سؤال حول السياسة المالية في مقابلة أجريتها معه خلال مؤتمر نظمه في الفترة الأخيرة معهد التفكير الاقتصادي الجديد New Economic Thinking، في بريتون وودز، بولاية نيو هامشير. والبيانات الحديثة الخاصة بالمملكة المتحدة تدعم تشككه، وهو ما لاحظه أيضا جوناثان بورتس، من المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية.
البيانات الأولية الصادرة هذا الأسبوع عن الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول من عام 2011 تدعم تشككي القائم منذ فترة طويلة. وقد يبدو نمو المملكة المتحدة في هذا الربع، البالغ 0.5 في المائة (2 في المائة سنوياً)، مقبولاً عند مقارنته بالمعدل الأمريكي البالغ 1.8 في المائة. لكن الأخير جاء بعد نمو بنسبة 3.1 في المائة في الربع الأخير من عام 2010، بينما جاء نمو المملكة المتحدة بعد تراجع سنوي بلغ 2 في المائة. وكان الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة في الربع الأول من عام 2011 قريباً مما كان عليه في الربع الثالث من عام 2010. والأسوأ من ذلك أنه كان أقل من مستوى النمو في مرحلة ما قبل الأزمة بنسبة 4 في المائة، بينما كان النمو الأمريكي أعلى بنسبة 0.6 في المائة. وفي حين أن اقتصاد المملكة المتحدة في حالة انكماش، فإن الاقتصاد الأمريكي تجاوز ذروة ما قبل الأزمة.
من الأمور المشجعة أن التصنيع في المملكة المتحدة توسع بنسبة 1.1 في المائة خلال الربع الأول (بمعدل سنوي يبلغ 4.5 في المائة). غير أن الإنتاج الصناعي كان لا يزال أقل بنسبة 8.4 من الذروة السابقة للأزمة، بينما كان إنتاج الخدمات أقل بنسبة 2.1 في المائة من الذروة. ولم يستعد اقتصاد المملكة المتحدة توازنه.
كم من هذا الضعف الاقتصادي يعود إلى التشدد المالي؟ على المرء أن يفترض أن بعضاً منه يعود إلى ذلك. وقدر مكتب مسؤولية الميزانية في آذار (مارس) أن الاقتراض الصافي المعدل حسب الدورات الاقتصادية، الخاص بالقطاع العام، تقلص بنسبة 1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة من 2009/2010 إلى 2010/2011. لكن هذه مجرد البداية. ويتوقع أن يتراجع الاقتراض الصافي المعدل حسب الدورات الاقتصادية بنسبة 2.1 في المائة أخرى من الناتج المحلي الإجمالي في 2011/2012 و1.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2012/2013. وهكذا، فإن مجموع التشدد المعدل حسب الدورات الاقتصادية سيبلغ 6.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بين 2010/2011 و2015/2016.
من المربك أن الاقتصاد في حالة ضعف شديد حتى قبل معظم التشدد المالي. ويمكن فهم التحدي من بيانات الإقراض القطاعي الصافي. وكان لدى الأسر في العام الماضي فائض مالي (زيادة الدخل على الإنفاق) بنسبة 1.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهناك سبب ضعيف لتوقع أن يتراجع ذلك في ظل زيادة ديونها. ويجعل ذلك الفائض الخارجي بنسبة 2.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، والأهم من ذلك أنه يجعل فائض قطاع الشركات بنسبة 6.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وحتى تجتث العجز المالي، دون انكماش آخر، أو ضعف اقتصادي لفترة مطولة، أو الإثنين معاً، على المملكة المتحدة أن تحقق زيادة في الصادرات الصافية وفي استثمارات الشركات. وأشعر بالدهشة وأنا أشاهد المتوقعين التقليديين وهم يعتقدون أن مثل هذه التحولات الضخمة، حتى محتملة. نعم إنها ممكنة، لكن لماذا يفترض المرء زيادة في الاستثمار في اقتصاد أقل بنسبة 13 في المائة في الوقت الراهن عما كان عليه قبل الأزمة؟
إن عامل الإعاقة الأكبر هو أن وسائل التعويض المعتادة للتشدد المالي – أسعار فائدة أقل – ليست متوافرة، لأن أسعار الفائدة متدنية للغاية بالفعل. والأكثر تطورا ممن يدافعون عن سياسة الحكومة لن يجادلوا بأن الاقتصاد سيتعافى بقوة. والحقيقة هي أنهم يمكن أن يعترفوا بأن الركود، أو حالة أسوأ من ذلك، هي الأقوى احتمالاً. لكن بإمكانهم الإصرار على أن البديل كان يمكن أن يكون إسبانيا بما لديها من اقتراض ذي تكاليف أعلى بكثير.
لكن كما يجادل باول دو جراووي، من جامعة لوفين، في ورقة عبقرية حديثة له، ذلك يتجاهل المنافع الضخمة الناجمة عن القدرة على تمويل الحكومة من خلال عملتها المعومة. ولا يمكن لبريطانيا العجز، بينما يمكن لإسبانيا ذلك. وبالنسبة إلى الأولى معظم التعديل سيأتي في صورة سعر الصرف المنخفض المفضي إلى الاستقرار. وبالنسبة إلى الثانية يأتي في صورة سعر الدين المنخفض المؤدي إلى عدم الاستقرار.
ومن الممكن أن نمضي إلى أبعد من ذلك. ووجهة النظر التقليدية القائلة إن الاستجابة المثالية لتركة ما بعد الأزمة المتمثلة في عجوزات مالية ضخمة وأسعار فائدة منخفضة للغاية، هي تقليص الأولى قبل زيادة الثانية، يمكن أن تكون خاطئة تماماً. وتفرض أسعار الفائدة المنخفضة عقوبات على المدخرين، وتؤدي إلى إبطاء إعادة هيكلة الميزانيات، وتشجع على مزيد من الاقتراض قصير الأجل، بينما تزيد العجوزات المالية مخزون الدين الذي يتحمله أكثر كيانات الاقتصاد جدارة ائتمانية. وفي عالم من الخيارات السيئة يمكن أن تكون العجوزات المالية الضخمة أقل أذى من التسهيل النقدي.
وحتى إن لم نكن قد وصلنا إلى هذا الحد، فإن علينا الاعتراف بأن القدرة على استخدام السياسة النقدية لتعويض التشدد المالي محدودة. وإن سمرز على حق: من غير المرجح أن يتبين أن التراجع المالي اتجاه توسعي. والحقيقة هي أن الركود الاقتصادي، أو ما هو أسوأ، يمكن أن يكون أفضل ما في مقدور المملكة المتحدة أن تفعله. ولن نعرف ذلك قط. والبديل هو السبيل الذي لم نتخذه. لكن من التفاؤل أن نتوقع أمرا أفضل من ذلك بكثير.