الضيافة الحكومية.. درس إماراتي جديد..!!
نتفق أو نختلف مع توجهات دولة الإمارات الشقيقة، نبدي إعجابنا بأشياء يفعلونها ونمتعض أشياء أخرى، لكن في كل الأحوال لا نستطيع أن ننكر أنها دولة ذات رؤية، وهذا يكفي. والرؤية الإماراتية في مجملها تتمثل في تحقيق تنوع اقتصادي يتيح لها تخفيض درجة اعتمادها على الموارد النفطية وصناعة موارد جديدة ومتجددة تعتمد على كفاءة العنصر البشري والمؤسسي من ناحية وعلى تهيئة المناخ الجاذب للاستثمارات من ناحية أخرى، ولتحقيق هذه الرؤية تتبنى حكومة الإمارات استراتيجيات ومشروعات متنوعة ومتطورة. أحدث المشروعات التي أطلقتها حكومة الإمارات يتمثل في مشروع تصنيف مستويات الخدمة الحكومية، الذي يرتكز على تصنيف جميع منشآت الخدمات الحكومية بنظام شبيه بتصنيف المنشآت الفندقية وفق معايير دقيقة، يتدرج التصنيف من نجمة واحدة حتى سبعة نجوم، وذلك بهدف تحقيق معدلات عالية من رضا المتعاملين ينافس المعدلات الموجودة لدى القطاع الخاص. والهدف المطلوب تحقيقه هنا هو إعادة صياغة مفهوم تقديم الخدمات في القطاع العام الحكومي وفق معايير متميزة وكفاءة في العمليات تشابه القطاع الخاص وتحديداً قطاع الضيافة، وهو قطاع معروف باعتماده على تطبيق معايير دقيقة ومتطورة في تصميم وتقديم الخدمة. تستهدف التجربة الجديدة تحقيق التميز والسرعة والسهولة في تقديم الخدمات الحكومية للمواطنين والمقيمين في الإمارات، ويتحقق هذا من خلال تطبيق معايير دقيقة تتعلق بتقييم أداء الجهات الحكومية ومنسوبيها (ابتسامة موظفي الخدمة، الإجابة عن كل تساؤلات المتعاملين، سرعة الرد على هواتف المتصلين، مدة تقديم الخدمة، متابعة خدمات المتعاملين، مدة الرد على البريد الإلكتروني الوارد للمؤسسة.. إلخ). وبناء على تطبيق وقياس المعايير يتحدد مستوى الضيافة في المؤسسة أو المركز الخدمي (خمسة نجوم، أربعة نجوم، ثلاثة نجوم.. إلخ) والهدف سيكون الوصول في كل المؤسسات الخدمية إلى مستوى ضيافة سبعة نجوم، وهو ما يعني أن الخدمة ستفوق توقعات المتعاملين أو المترددين على كل المؤسسات. هناك عدة ملاحظات يمكن استنتاجها هنا، أولاً: تطبيق أنظمة ومعايير خدمات الضيافة (الفندقة) في المؤسسات الحكومية الخدمية من شأنه أن يحقق نقلة نوعية في أداء ومخرجات تلك المؤسسات الحكومية، حيث ستتشكل الصورة الذهنية عنها وسيتم تقييمها وتقدير مستوى احترافيتها بموقعها في التصنيف، ومن ثم سيصبح هناك دليل مادي ملموس للمقارنة بين تلك المؤسسات، وهذا في حد ذاته يصنع دوافع مؤثرة لتحقيق التطور والتميز. ثانياً: شعور المواطن أو المراجع بأنه ذاهب لدار ضيافة وليس مؤسسة حكومية يمنحه هدوءاً نفسياً ينعكس على تعامله مع الموظف أو مع المراجعين الآخرين، وهو ما يسهم بشكل مباشر في رفع جودة الخدمة. ثالثاً: بالتأكيد هناك معايير متنوعة في خدمة الضيافة بخلاف الابتسامة والتحية وسرعة التعامل، على سبيل المثال الموقع وتخطيطه والإمكانيات الملحقة به ومستوى التكنولوجيا المستخدمة.. إلخ، تماماً مثل تنوع المعايير بين الفنادق الخمسة نجوم والربعة نجوم، وهكذا (ربما تفاجئنا مؤسسات حكومية في الإمارات أو دبي تحديداً بعمل حمامات سباحة وجاكوزي لاستجمام المرجعين). رابعاً: مهما توافرت الإمكانيات المادية والتكنولوجية يظل العنصر البشري هو المؤثر الأساسي في تحقيق جودة الخدمة ومراعاة أصول الضيافة، ومن ثم نتوقع أن الموظفين في المؤسسات الخدمية الإماراتية سيحصلون على أعلى مستويات التأهيل والتدريب والتحفيز وليس غريباً أن تدور بينهم منافسة شريفة وشرسة للتحول من موظفين (نجمتين أو ثلاثة) إلى موظفين (سبعة نجوم). خامساً: بخلاف التأثير في جذب الاستثمارات الأجنبية وتسهيل مقاصدها، والترويج للدولة وتميز سمعتها بين دول العالم، فقد أدركت حكومة الإمارات ومنذ زمن بعيد أن التعامل مع المؤسسات الحكومية يؤثر بشكل مباشر وقوي في بناء انطباعات المواطن عن الدولة التي يعيش فيها وعن الحكومة التي تدير شؤونه، ولذا حرصت على تطوير تلك الانطباعات بشكل مستمر. أخيراً هناك فارق كبير بين مواطن (أو مقيم) يشعر بأنه ضيفاً ثقيلاً على مؤسسة حكومية وبين مواطن يشعر بأنه في دار ضيافة، هل ندرك هذا الفارق في مؤسساتنا الحكومية؟ أرجو ذلك.