دول بريكس ومستقبل العالم

كنا قد تحدثنا كثيرا عن التغيرات الحقيقية التي يشهدها الاقتصاد العالمي والتغير في موازين القوى الاقتصادية بين الاقتصادات الناشئة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية والدول الصناعية الكبرى، التي كانت وما زالت ــ إلى حد ما ــ تقود العالم وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية.
وأخيرا ظهر هناك تحديد أكبر لماهية تلك الدول الناشئة التي يتوقع لها أن تأخذ مقاعد الصدارة العالمية تحت اسم بريك BRIC، وبعد انضمام جنوب إفريقيا أواخر عام 2010 أصبحت بريكس BRICS، لتنضم إليها البرازيل وروسيا والهند والصين، أو ما يسمى دول الاقتصاد العالمي الجديد، أو مركز الاقتصاد العالمي الجديد. وهناك توقعات بأن تتوسع البريكس لتشمل دولا أخرى، وعلى رأس القائمة إندونيسيا، ليصبح التمثيل سكانيا اقتصاديا، ولتمثل تلك الدول القوى العالمية على مستوى الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك نسبة كبيرة من الاستهلاك العالمي.
ولعل الإحصائيات التي تشير إلى هذا التوجه مسألة وقت، حتى في ظل سعي الدول الكبرى الحالية لإيقاف أو تخفيف حدة ذلك النمو بوسائل متعددة ومتغيرة، حيث إن الأرقام منذ عشر سنوات تشير إلى أن البرازيل وروسيا والهند والصين وإندونيسيا تمثل 18 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي، في حين تمثل الدول الصناعية نحو 65 في المائة من الناتج العالمي. وفي عام 2010 تغيرت الأرقام لتصبح البرازيل وروسيا والهند والصين فقط تمثل 27 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي، أي بزيادة قدرها 9 في المائة خلال عشر سنوات، عشر سنوات كانت للدول الصناعية نسبة نمو عالية خلال أول ثماني سنوات منها قبل الأزمة المالية العالمية، التي بلا شك أثرت سلبا بشكل مضاعف في الدول الصناعية لتنخفض نسبتها العالمية إلى 56 في المائة. وأرى أن السنوات المقبلة تحمل تأثيرات سلبية أكبر على الدول الصناعية الكبرى وبقاء الدول الناشئة في معدلات نمو معتدلة، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار نسبة النمو الكبيرة لتلك الدول في العقد الأول من القرن الجديد مقارنة بمعدلات نمو الاقتصاد العالمي خلال الفترة نفسها.
ولعل الأرقام والإحصائيات كثيرة التي تساند وجهة النظر التي تقول إن قيادة العالم الجديدة هي مسألة وقت، وإن كنت أرى أن التحدي الأكبر يكمن في مدى قبول الدول الصناعية الكبرى بذلك، بخلاف أن التحولات الاقتصادية العالمية خلال العصر الحديث تحديدا، كانت تمر من خلال حروب طاحنة تعقبها تحولات سياسية واقتصادية، وعليه فإن المستقبل والمدى الزمني لهذه التحولات مرهونان بالتغيرات السياسية والجغرافية للعالم، مجرد وجهة نظر.
وبالعودة إلى الأرقام ، فإننا نلاحظ زيادة كبيرة على مستوى واردات دول البريكس، حيث تمثل ما نسبته 13 في المائة من مجموع الواردات على مستوى العالم بعد أن كانت في حدود 6 في المائة عام 2000، ومرة أخرى فإن هذا النسبة تزيد بشكل كبير على معدل نمو الواردات العالمية خلال الفترة نفسها، وأعود إلى التأكيد على نسبة التغير في المؤشرات الاقتصادية في الفترة ما قبل 2008 وما بعدها، حيث إن المؤشرات الاقتصادية الكلية تظهر الفرق. وهنا نقصد أن دول بريكس وسعت قاعدة شركائها الاقتصاديين بشكل أقل مع الدول الصناعية وبشكل أكبر مع دول البريكس والدول الناشئة الأخرى، والتأكيد على توجهات دول بريكس البينية هي التحرك الكبير والتوجه الموحد لدول بريكس تجاه قضايا الاقتصاد العالمي وتجاه قضايا منظمة التجارة العالمية التي ظهرت جليا في ختام قمة دول بريكس التي عقدت أخيرا في الصين، وكذلك دعوتها إلى نظام عالمي جديد يتوافق مع الواقع الحالي، وهو توجه عالمي نلاحظه بشكل أقرب على مستوى المملكة وعلى مستوى سياسة المملكة الاقتصادية وتغير ترتيب شركائها الاقتصاديين، ولا أبالغ إذا قلت السياسيين، ونلاحظ أن هناك علاقة أقوى من أي وقت مضى للمملكة مع دول البريكس، ولعلنا ما زلنا نتذكر زيارات خادم الحرمين الشريفين وولي العهد إلى تلك الدول، وما تبعها من اتفاقيات وتعاملات تجارية واقتصادية أكثر مرونة.
وأرى شخصيا أن انضمام دول أخرى إلى مجموعة بريكس بات مسألة وقت، وفي وجه نظري، أن دولا مثل إندونيسيا وكوريا والمملكة وتركيا، ستكمل منظومة دول القيادة الجديدة في العالم، وعندها قد يتغير العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي