أخضر .. أصفر .. أحمر! لوزارة العمل إشارة مرور
موضوع البطالة كان ولا يزال إحدى أبرز المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي نعانيها، وهي في نظري المسألة المحلية الأولى الأكثر أهمية وإلحاحاً ومطلباً للعلاج، ومشكلة البطالة عميقة ومتأصلة، حيث يبلغ العاطلون عن العمل حالياً 450 ألف عاطل تقريباً، والمشكلة ليست في واقع أرقام البطالة فقط، إنما في تناميها بشكل مخيف، حيث لا تتناسب فرص العمل المستقبلية مع عدد الخريجين، وبالتالي فمستويات البطالة ستتزايد بمتوالية حسابية مرعبة، في الوقت الذي فشلت فيه جميع محاولات وزارة العمل في الحد من المشكلة! وفشل الوزارة ليس بالضرورة قصورا في أدائها، إذ إن مشكلة البطالة ـــ في نظري ــ ليست من مسؤولية وزارة العمل وحدها، بل إن العبء الأكبر يقع على جهات أخرى، إذ تشارك وزارة العمل المسؤولية الكثير من الجهات الحكومية؛ من أهمها وزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للاستثمار ووزارة الداخلية ووزارة الخدمة المدنية ووزارة التخطيط، وبالتالي قذف المهمة على جهة واحدة عجز عن الحل أو تقاعس عنه! وفي نظري أن مشكلة البطالة حلها الرئيس وعمودها الفقري في إيجاد فرص عمل جديدة، ولا يكفي فيها برامج الإحلال، وهذه تحتاج إلى برامج تحفيز للاستثمار وتعديل الأنظمة ودعم ممارسات الأعمال التجارية والصناعية نظامياً ومالياً وخدماتياً.
''السعودة'' كقضية برزت كحل لمشكلة البطالة، لكن حالها كحال البطالة من حيث المسؤولية، إذ تتحمل مسؤوليتها جهات عديدة تعتبر وزارة العمل واحدة منها، وفي يدها قطعة من الأحجية، لكن بالتأكيد لن يتم حل اللغز دون باقي القطع التي تقع في متناول الجهات الأخرى. وخلال السنوات الماضية حملت وزارة العمل على كاهلها حل مشكلة البطالة وتطبيق السعودة وكأنها الجهة المسؤولة عنها، وهي ليست كذلك، وقامت بهذا العمل بكل إخلاص (من وجهة نظرها)، وبذلت الغالي والنفيس في سبيل تحقيق معادلة مستحيلة التطبيق، ولا أبالغ إذا قلت إنها قامت بذلك بكل شراسة وعنف وشنت حملة على القطاع الخاص أشبه بالمعركة للأسف، هذه المعركة قامت بالاعتماد على السلطة والقوة من جانب الوزارة قابلها الكر والفر من جانب القطاع الخاص، وما زالت الحرب قائمة لم ينتصر فيها أحد في حين أصيب الجانبان بخسائر متفاوتة.
أخيرا فاجأنا معالي الوزير ببرنامج ''نطاقات''، حيث تم وصف البرنامج بأنه برنامج تحفيزي لتوطين الوظائف، وفكرة البرنامج تقوم على التفرقة في التعامل بين منشآت القطاع الخاص ذات معدلات التوطين المرتفعة، والأخرى غير الراغبة في التوطين، وذلك بربط البرنامج بمصفوفة متدرجة من الحوافز والتسهيلات التي تتأهل لها المنشآت حسب معدلات توطين الوظائف فيها.
والبرنامج الجديد ببساطة يضع معايير جديدة وملزمة لتقييم المنشآت في توطين الوظائف ويصنف منشآت القطاع الخاص إلى ثلاثة نطاقات ملونة ''الخضراء والصفراء والحمراء'' حسب معدلات التوطين المتحققة في تلك المنشآت، بحيث تقع المنشآت المحققة لنسب توطين مرتفعة في النطاق الأخضر، بينما تقع المنشآت الأقل توطيناً في النطاق الأصفر ثم الأحمر على التوالي، حسب معدلات التوطين فيها، ومن أبرز مزايا وعيوب البرنامج للمستفيدين أن المنشآت الواقعة في النطاق الأخضر لها حرية انتقاء وتوظيف ونقل كفالة العمالة الوافدة من المنشآت الواقعة في النطاقين الأحمر والأصفر، دون موافقة صاحب العمل، إضافة إلى العديد من الحوافز الإيجابية للنطاق الأخضر والسلبية للنطاق الأحمر، سيتم الإعلان عنها لاحقاً.
ومن المفترض أن تحدد نسبة السعودة في كل نطاق حسب المعدلات المتحققة فعلاً في المنشآت القائمة في وقت التقييم، وبالتالي لن تكون هناك نسبة موحدة (أو شبه موحدة ) للسعودة في جميع القطاعات، وسينفرد كل قطاع بنسبة سعودة مختلفة مستوحاة من المعدلات المحققة فعلاً في السوق، ووفقاً لما صرح به الوزير فإن النطاقات مصممة لتكون غالبية المنشآت في النطاق الأخضر.
النظام المطبق حالياً يعتمد على حرمان المنشآت من التأشيرات عند انخفاض نسب السعودة عن حدود معينة، بل إنه نظام سلبي من حيث التركيب، حيث يقدم سوء النية في المؤسسات الوطنية فيمنع الاستقدام عن المؤسسات الجديدة، وإذا سمح لها فهو حسب رأي وتقييم الباحث الذي لا يفهم أي شيء في نشاط المنشأة! الميزة الرئيسية لبرنامج ''نطاقات'' أنه يعتمد على التحفيز أكثر من العقاب، فالبرنامج الجديد وإن كان يعاقب النطاق الأحمر بعقوبات قاسية، إلا أنه يعطي النطاق الأخضر مزايا إضافية غير مسبوقة، وبالتالي فالخدمات والمزايا الإضافية هي المحرك الرئيس للبرنامج.
الخطورة والتوجس عند أصحاب الأعمال لا يكمن في النظام في حد ذاته، لكنه الخوف من التطبيق ومشكلة الفهم للجهات التنفيذية في الوزارة ومكاتبها خاصة مع الخبرة والعلاقة السلبية الحالية، كما أن القياس الصحيح لمعدلات السعودة في القطاع هاجس كبير عند أصحاب الأعمال، إضافة إلى مشكلة المقارنة بين المنشآت في القطاع نفسه، وهي عقبة تحتاج إلى حل؛ فمع اعتماد نسب ومعدلات السعودة للقطاع المحدد عند احتساب نسب السعودة؛ فهل يمكن مقارنة منشأة رأسمالها مليار مع منشأة رأسمالها 100 ألف ريال؟ وهل يمكن المقارنة لمنشأة عدد عمالها بالآلاف مع منشأة عدد عمالها لا يتجاوز العشرين؟ وهل يمكن مقارنة لمنشأة تعمل في الرياض مع منشأة مشابهة تعمل في إحدى القرى أو المدن النائية؟ هذه المقارنات يجب أن تجد علاجاً لها عند تحديد المعدلات المطلوبة لكل نطاق، وبالتالي فقد يكون لكل قطاع أكثر من نطاق معتمداً على الحجم والموقع الجغرافي.
برنامج ''نطاقات'' يجب أن يكون خارج نطاق الواسطة، كما يجب أن يكون خارج منظومة التعقيد الحكومي، وكل المجتمع حتى أصحاب الأعمال مع تكريس التوطين بشرط أن يتم تطبيق برامجه بعدالة، وأن يتم النظر إلى أصحاب الأعمال بالنظرة نفسها الحريصة على التوطين، وبالتالي فالتركيز على المصلحة العامة للمجتمع هو الأهم بحيث ألا يؤدي التوطين إلى تأثير سلبي في جودة الخدمات أو أسعار تقديمها، وعلى الوزارة والجهات الحكومية الأخرى أن تعي أن التوطين أو السعودة مهمة جماعية، ويجب ألا تكون فاتورة أحادية الاتجاه يدفع قيمتها أصحاب الأعمال وحدهم، كما تقع على عاتق الوزارة مهمة كبيرة مماثلة لحرصها على التوطين والوقوف بجانب الشباب السعودي، ألا وهي ضمان عدم استغلال بعض شبابنا أصحاب الأعمال تحت اسم السعودة.
أختم باقتراح لوزارة العمل؛ أن يتم مسك سجلات للعاملين السعوديين، بحيث يمكن تقصي تاريخ عمل كل مواطن، وتنقلاته وتسجيل أي قضايا عليه أو منه إذا تمت، وبالتالي فالمواطن كثير التنقل كثير المشكلات لا يتمتع بنفس المزايا للموظف المتميز أو حتى العادي، ويكون هذا السجل متاحاً للعامة للاستفسار عنه، وبالتالي فهو برنامج آخر للنطاقات، لكن على مستوى الموظفين المواطنين بدلاً من منشآت الأعمال.