وزارة التجارة والمستهلك: رعاية مصالح متعارضة
وزارة التجارة هي الجهة الحكومية المسؤولة عن حماية المستهلك. تعارض المصالح واضح. أتذكرون وزارة الزراعة والمياه وتعارض المصالح بين الزراعة والمياه؟ فصلت المياه عن الزراعة. وهنا مطلوب فصل حماية المستهلك عن التجارة.
وزارة التجارة هي التي تضع أو تمثل الدور المحوري في وضع السياسة التجارية، وهي المسؤولة عن مختلف القوانين التجارية، ومنح السجلات التجارية، وفيها دائرة للشركات، وهي التي ترعى أنشطة التجار. هذه المسؤوليات تستلزم بالضرورة وجود تعارض مع مسؤولية حماية المستهلك المناطة بالوزارة نفسها، ويضاف إليها جمعية حماية المستهلك ومجلس حماية المنافسة التي يرأس مجلسي إدارتهما وزير التجارة.
هل يعني ذلك أنني أرى أن تسحب من الوزارة مسؤولية مراقبة سلامة تطبيق التراخيص التي أعطتها الوزارة؟ لا، فهذه الرقابة ينبغي ألا تسحب من الوزارة، ولكن هذا شيء، وحماية المستهلكين بصورة أعم وأشمل وأقوى شيء آخر. طبعا، هذا لا ينفي وجود تداخل جزئي بين المهمتين، فالرقابة للتأكد من سلامة تطبيق التراخيص تساعد أيضا على حماية المستهلك، ولكنها غير كافية، فهناك أوجه حماية كثيرة أخرى يحق للمستهلكين مطالبة السلطات بها. وهذا خلاف تعارض المصالح، كما بينت آنفا.
بناء على نقاط الضعف السابقة، اهتمت الدول الأكثر تقدما إداريا واقتصاديا بتأسيس منظمات لحماية المستهلك، خارج إطار السلطات المسؤولة عن قوانين وتنظيم وترخيص الأنشطة التجارية. هذه قضية أساسية.
حماية المستهلك تعني التنظيمات الحكومية التي تهدف إلى حماية مصالح المستهلك. وهي تنبع من فكرة حقوق المستهلك، ومنها حقه في تأسيس منظمات للدفاع عن مصالحه. ومن وسائل حماية المستهلك تشجيع المنافسة في السوق.
وقد طورت في عديد من الدول قوانين لحماية المستهلكين تحت اسم ''قوانين المستهلك''، تنظم العلاقة بين المستهلك والمؤسسات التجارية التي تبيع للمستهلك الخدمات والسلع.
تنطوي تحت قانون أو قوانين المستهلك قائمة كبيرة من القضايا، مثل مسؤوليات المنتج وحقوق الخصوصية وسوء العرض والممارسات التجارية غير المشروعة، وتفاصيل المنتج. كما يتناول القانون أيضا الجوانب المالية مثلا، الاقتراض الشخصي، والبطاقات الائتمانية والإفلاس.
على سبيل المثال، طورت حكومة الولايات المتحدة الفيدرالية وحكومات الولايات مجموعة كبيرة من القوانين المتعلقة بشؤون المستهلك. كما أقام الجمهور المستهلك منظمات كثيرة للدفاع عن حقوق المستهلكين والتوعية بها.
وتعد مفوضية التجارة الفيدرالية Federal Trade Commission FTC الوكالة الوحيدة على مستوى حكومة الولايات المتحدة المسؤولة عن أمرين: حماية المستهلك وحماية المنافسة في مختلف القطاعات الاقتصادية. وتمارس عملها متسلحة بقوانين صارمة، وتعمل على تطوير سياسات وتشجيع أبحاث، كما تقيم ندوات وورش عمل وندوات وبرامج تثقيفية في مجال حماية المستهلك.
نحن في المملكة بحاجة إلى تطوير مجموعة من القوانين لحماية المستهلكين ومكافحة الممارسات المعوقة لقوى السوق، تفوق القوانين والتنظيمات القائمة حاليا كثيرا، ولكن تطوير هذه القوانين يتطلب قناعات وموارد بشرية متخصصة ماهرة.
ويبدو أن القناعة بهذه التفاصيل تغيب عن أذهان بعض المسؤولين الذين يرتبط عملهم بحماية المستهلك. فقد نشرت أكثر من جريدة تحقيقات عن التضخم. وذكر في تلك التحقيقات تصريحات لمسؤولين في وزارة التجارة بصورة صريحة أو ضمنية أن وزارة التجارة لا دخل لها في ارتفاع الأسعار. وبعض المسؤولين يعبرون بصورة ما عن عدم تمكن التجار الصغار من المنافسة، وهذا يعني زيادة غنى كبارهم.
وفي هذا لنا أن نطرح السؤال التالي:
لماذا لا يتمكن التجار الصغار من المنافسة؟
من المؤكد أن هناك نقصا وضعفا أو بطئا في إصدار التنظيمات الحكومية الرامية إلى حماية عامة الناس، ومنع الممارسات الهادفة إلى التحكم في قوى السوق. وهناك نقص كمي ونوعي في الموارد البشرية المسؤولة عن عمل هذه التنظيمات، أو مراقبة تطبيقها، خلاف النقص الكمي والنوعي في الموارد البشرية القضائية.
وفي هذا أشير إلى أن بعض أعضاء مجلس الشورى وغيرهم قد طالبوا بإنشاء تنظيم خاص ومستقل لحماية المستهلك، يهتم بمتابعة الأسعار، وإعطاء مؤشرات عن أمور كثيرة، ويوفر مركز معلومات وأبحاث دقيقا يسهم في نشر المعلومة التي تعطي للمستهلك نسب ارتفاع الأسعار دوليا ومحليا بصفة مستمرة، وينبغي أن يبين على نحو موثق وفق منهجية ذات مصداقية نسب الربحية في مختلف الأنشطة والسلع الأساسية، عبر مراحل تداول السلع من مصدرها في بلادها وإلى وصولها إلى المستهلك. وفي هذا أرى أنه لا ينبغي أن ننتظر من وزارة التجارة القيام بوضع ذلك، بل أرى أنه يجب على مجلس الشورى المساهمة بطرح تصور تنظيمي مفصل. ولكني أستصعب قيام المجلس بذلك، إذا لم يعالج مشكلة نقص موارده البشرية، وخاصة الاستشارية.
باختصار، هناك مشكلة تشريعية تنظيمية، ومشكلة فاعلية رقابة لمتابعة تطبيق ما تقرر. ووزارة التجارة ليست المكان المناسب لعلاج هذه المشكلات لوجود تعارض المصالح. وبالله التوفيق.