إنجازات حضارية وتنموية رغم الظروف العالمية
تمثل الذكرى السنوية السادسة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله ورعاه - مناسبة للتأمل في سجل الإنجازات التي حققتها المملكة منذ بدء نهضتها الحديثة على يد المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيب الله ثراه. وهي إنجازات ظلت تتراكم بوتائر متسارعة عبر العقود الماضية وشملت المجالات كافة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وهاهي اليوم تتجسد في مظاهر مرموقة من الازدهار الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي، والتقدم العمراني والثقافي الذي ظل ينتظم أرجاء المملكة كافة، وينعم بثماره جميع المواطنين. وخلال العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، شهدت المملكة تطورات حضارية وتنموية بارزة على الأصعدة كافة. وفي ظروف عالمية وإقليمية دقيقة استدعت مبادرته – حفظه الله – تبني وتعميق سياسات الإصلاح والتحديث والتطوير الاقتصادي والإداري، وتطبيق سياسات فعاله في مختلف المجالات في إطار رؤيته الاستراتيجية النافذة والبعيدة المدى. وقد أفضى تنفيذ مبادرات خادم الحرمين الشريفين، وتطبيق السياسات المستلهمة منها، إلى تحقيق الفاعلية المؤسسية والإدارية للأجهزة الحكومية، وتكثيف المشاركة المجتمعية في صناعة القرار الحكومي وتنفيذه، فضلاً عن مختلف أوجه التقدم المعرفي والتقني.
لقد ظلت التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة محط عناية خاصة واهتمام مستمر من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - فتحقق في كنف هذه الرعاية والاهتمام زخم هائل ومتواتر من المنجزات التنموية والريادات الاستراتيجية التي انتظمت سائر القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. وكان من ثمار ذلك ما ظلت تنعم به المملكة من استقرار وازدهار اقتصادي، ونهضة صناعية وعمرانية، وأمن وسلام اجتماعي، تأهلت بها جميعاً لأن تحتل موقع الصدارة بين الدول العربية من حيث حجم اقتصادها ومتانته، وجاذبية بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار فيها. فكان اختيار المملكة عضواً في مجموعة العشرين الاقتصادية G20، وفي المجلس الموسع للاستقرار المالي العالمي من المؤشرات الدالة على ريادتها الاقتصادية. وكانت المراكز المتقدمة التي ظلت تحتلها المملكة في تقارير التنافسية الدولية مؤشرات ذات دلالة قطعية على جودة بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار في المملكة وجاذبيتها كوجهة استثمارية.
وقد تجلت الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية المتكاملة والفاعلة التي تم تبنيها في ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين في زيادة الاستثمارات العامة والخاصة في قطاعات الاقتصاد الوطني كافة، وتحسين كفاءة استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة، مما أسفر عنه تحقيق معدلات جيدة من النمو الاقتصادي، وتوفير المزيد من فرص العمل للمواطنين، إضافة إلى التصدي لمعالجة العديد من المشكلات الاجتماعية، وتحسين مستوى المعيشة، حيث تم إنجاز الاستراتيجية الوطنية الشاملة للإنماء الاجتماعي، وإنشاء الصندوق الخيري، وتعزيز مخصصات الضمان الاجتماعي، وغير ذلك من الإجراءات الداعمة للشرائح الاجتماعية ذات الدخل المنخفض، مع تفعيل التوجهات والآليات الخاصة بتحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة المختلفة بما يؤمن نصيباً وافراً من ثمار التنمية لجميع مناطق المملكة. وفي إطار هذه الرؤية الاستراتيجية حظيت جهود التنويع الاقتصادي بأبعاده المختلفة بالأولوية والاهتمام. كما كان الاهتمام كبيراً بالقطاع الخاص، ورعايته وتشجيعه وزيادة شراكته مع القطاع العام لتمكينه من مضاعفة إسهاماته التنموية في مجالات الإنتاج والاستثمار والتصدير والتوظيف. فكان في مقدمة سياسات الدولة وقراراتها وإجراءاتها الاقتصادية تلك المتعلقة بالتخصيص والتي تعززت مع مبادرات الإصلاح الاقتصادي. كما كان لسياسات دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتنمية الصادرات غير النفطية، وتشجيع نقل التقنيات الحديثة والمعارف الفنية المتطورة، وتحسين القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية في الأسواق المحلية والخارجية، تأثير بارز في زيادة نشاط القطاع الخاص وتوسيع نطاق إسهاماته التنموية. وكان هناك أيضاً الدعم السخي لصناديق الإقراض المتخصصة لتمكينها من الإسهام بدور فاعل ومؤثر في تسريع التنمية الاقتصادية، مع تكريس بعدها الاجتماعي وتعزيزه. ثم جاءت حزمة الأوامر الملكية ذات الأهمية البالغة بالتزامن مع العودة الميمونة لخادم الحرمين إلى أرض الوطن سليماً معافى بفضل الله سبحانه وتعالى وكرمه، والتي تضمنت بعدين، الأول اجتماعي يتعلق برفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة للمواطنين، والثاني اقتصادي يتعلق بتعزيز الحركة الاقتصادية في المملكة على طريق النمو والازدهار. ولقد جاءت هذه الحزمة من الأوامر الملكية والتي تضمن ما شملته بناء 500 ألف وحدة سكنية في كل مناطق المملكة، وتخصيص مبلغ إجمالي لذلك قدره 250 مليار ريال، ورفع قيمة الحد الأدنى للقرض السكني إلى 500 ألف ريال، ودعم رأسمال صندوق التنمية العقارية بمبلغ إضافي قدره 40 مليار ريال، إضافة إلى الدعم السابق البالغ 43 ملياراً، ودعم الهيئة العامة للإسكان بمبلغ 15 مليار ريال، إضافة إلى الدعم السابق البالغ عشرة مليارات، لتؤكد من جديد حرصه الشديد - حفظه الله - على رفع مستوى رفاهية المواطن، وتوفير كل الإمكانات المتاحة وتسخيرها بشكل فعال لتوفير الحياة الكريمة له.. كما أنها تؤكد أن المملكة بصدد انطلاقة جديدة نحو مزيد من الازدهار الاقتصادي والرفاه الاجتماعي والبناء على المستويات كافة. كما أن إعلانه - حفظه الله - عن الميزانية العامة للدولة للعام المالي 32/1433هـ 2011 جاء ليؤكد المعطيات الأساسية القوية والراسخة للاقتصاد الوطني، وأن المملكة ماضية قدماً في نهجها التنموي الذي يستهدف تحقيق تنمية شاملة ومستدامة على الرغم من الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة. كما رعى - حفظه الله - خلال السنوات القليلة الماضية، مبادرة استراتيجية وحيوية تمثلت في إنشاء مدن اقتصادية وصناعية متكاملة في بعض مناطق المملكة بهدف الاستفادة من الميزات النسبية المتوافرة في تلك المناطق. وقد قطعت هذه المبادرة شوطاً متقدما من التنفيذ، وينتظر أن تؤتي أكلها عما قريب: إسهاماً في تنويع القاعدة الاقتصادية، وإضافات متتالية للناتج المحلي الإجمالي وللصادرات غير النفطية، وتوفيراً لأعداد هائلة من الفرص الوظيفية ذات القيمة المضافة والدخول العالية. وتم في عهده الميمون – حفظه الله - تبني استراتيجيات قطاعية مهمة بهدف التعامل مع بعض القضايا الحيوية الملحة من منظور شمولي بعيد المدى، فكان من ضمن الاستراتيجيات التي تم تبنيها: الاستراتيجية الوطنية للصناعة، استراتيجية المياه، استراتيجية تطوير التعليم العالي، استراتيجية رعاية الموهبة والإبداع، استراتيجية التوظيف، السياسة الوطنية للعلوم والتقنية، السياسة السكانية، استراتيجية محاربة الفساد وحماية النزاهة، استراتيجية الأمن الغذائي، واستراتيجية تطوير الوضع المعيشي لجميع المواطنين في جميع المناطق.
وفي إطار حرصه المتزايد على تعزيز التنمية الاجتماعية، واستكمال البنية التحتية المتطورة التي تؤسس للاقتصاد المعرفي، وجّه – حفظه الله - إلى إنفاق فائض إيرادات الموازنة العامة على برامج ومشاريع التنمية الاجتماعية - خصوصا التعليم والتدريب والصحة والخدمات البلدية ومشاريع المياه والصرف الصحي والطرق والإسكان. تلك كانت إشارات عابرة إلى بعض ما تضمنه سجل المسيرة التنموية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله من إنجازات اقتصادية واجتماعية ومبادرات ومواقف إنسانية متميزة. والكل يتطلع إلى سنوات مديدة من عهده الزاهر – حفظه الله – واعدة بالمزيد من الخير والعطاء لهذا الوطن العزيز، وللأمتين العربية والإسلامية، وللأسرة الدولية بوجه عام. وفق الله خادم الحرمين الشريفين في سعيه الدؤوب لرفعة شأن المملكة والأمة الإسلامية جمعاء .. إنه سميع مجيب.