عمليات سرية لإسقاط نظام القذافي

تقرير إسرائيلي يتحدث عن دور عمليات الاستخبارات في الإسراع بإنهاء نظام الحكم في ليبيا. توافينا الأنباء ليل نهار بصراع ساخن بين جيش القذافي والمتمردين والرافضين. وقد دخل الصراع مرحلة أصعب بتدخل حلف شمال الأطلنطي لضرب قوات القذافي. وتتواتر الأخبار وتتناقض حسب مصادرها شأن كل الحالات التي تقع فيها حروب أهلية.
رغم علنية هذا التقرير فإن ما ورد فيه يكشف النقاب عن وقوع حرب شاملة يستخدم الغرب فيها كل أسلحته للقضاء على القذافي. فبعد إعلان المناطق الممنوعة على طيران القذافي التي حددها مجلس الأمن، ما حرم القذافي من استخدام سلاحه الجوي الذي كان سيحقق له النصر على مناوئيه؛ بدأت أجهزة الاستخبارات نشاطها السري لتزويد الثوار بالأموال والأسلحة ووسائل الاتصال والمعلومات الاستخباراتية اللازمة لدعم جهدهم العسكري دون الحاجة إلى مشاركة قوات غربية في ميادين المعركة. والهدف من وراء هذه الجهود كما يقول التقرير هو تجميع كل الرافضين والثوار والمتمردين في جبهة واحدة، مع استمرار القصف من جانب حلف شمال الأطلنطي.
وفي السادس من آذار (مارس) سنة 2011 أُلقي القبض على ثمانية من عناصر المخابرات البريطانية ووحدات الكوماندوز في شرق ليبيا، ما فتح ملف دور الاستخبارات في العمليات الجارية خاصة أنه قد تم القبض على ثلاثة هولنديين نزلوا سرا إلى شواطئ ليبيا في محاولة لمساعدة الهولنديين على الخروج من ليبيا سالمين.
وقد أثار هذا التقرير نقاشا مهما في الدوائر الغربية، حيث إن عمليات الاستخبارات تعد جزءاً لا يتجزأ من السياسة الخارجية، والهدف الأكبر لحلف شمال الأطلنطي الآن هو تسريع التغيير من خلال تدريب الليبيين وتزويدهم بالأسلحة، حيث ظهر أن هناك اقتناعاً غربياً بأن العمل السري والاستخباراتي يعوض مشاركة الجيوش الغربية مباشرة. والحجة وراء هذا الرأي أن الغرب لجأ لهذا الأسلوب في العراق ولبنان والكونغو وأنجولا وكمبوديا وأفغانستان وغيرها لدعم الانتفاضات الغاضبة لقوات أضعف أمام قوات أقوى.
وتفيد التقارير بأنه رغم منطقة حظر الطيران فإن جيش القذافي يظل أقوى وأكثر استعداداً وأفضل إعداداً ويمكنه أن يبقى متمركزاً في مواقعه، وأن يقوم بهجوم مضاد شرقاً لاستعادة المواقع التي فقدها دون اللجوء إلى سلاح الطيران. وإزاء ذلك فإن العمليات السرية يمكن أن تعوض المنتفضين كثيراً من خلال تزويدهم بالمبالغ المالية المطلوبة وبالأسلحة المناسبة والتجهيزات الاتصالية والمعلومات، وهي أثمن ورقة في حروب استقطاب الأنصار التي يخوضها الطرفان، خاصة أن أغلبية الليبيين يمارسون سياسة "قف وراقب" حتى يظهر لهؤلاء المراقبين أفضل معسكر ينضمون إليه لتحقيق مصالحهم. ولعل أهم إنجازات العمل السري هو التدريب على التكتيكات الحديثة وعلى الأسلحة المتطورة، إلى جانب القيام بدور الوساطة والتحريض بين القبائل لصالح المتمردين.
وأكبر مزية يتمتع بها القذافي هي سيطرته على خزانة الدولة، ويمكنه أن ينفق مبالغ طائلة لمكافأة الأنصار ورشوة المترددين وشراء الولاء خاصة ولاء العسكريين، وربما اضطر إلى الحصول على خدمات المرتزقة كما يقول أنصار الفريق الآخر. ورغم قيام الدول الغربية بتجميد مبالغ كبيرة من أرصدة القذافي إلا أنه ما زال يتحكم في مبالغ ضخمة. وفي الرابع من آذار (مارس) سنة 2011 أوقفت شرطة الحدود البريطانية سفينة تحمل 160 مليون دينار ليبي وعددا من الصناديق التي تحمل عملات أخرى في طريقها إلى طرابلس، ما يؤكد أن القذافي يعمل للحصول على مزيد من الأموال في معركة يلعب فيها المال دوراً محورياً، حيث تعد احتياجاتهم كبيرة جداً فيما يتعلق باستقطاب قبائل جديدة خاصة تلك التي لم تختر جانباً حتى الآن. والمعروف أن سلاح المال لعب دوراً هائلاً في أفغانستان والعراق خاصة في تقليل نسبة الهاربين من معسكر إلى نقيضه.
ومعظم القوات المناوئة للقذافي تتسلح بالأسلحة الخفيفة والمدفعية القديمة التي تمت سرقتها من مستودعات الجيش الليبي، ورغم أن مثل هذه الأسلحة تقدم ضوضاء وصلصلة كبيرة على الشاشات التلفازية، إلا أنها على صعيد الواقع العسكري لا تجدي كثيراً في مواجهة أكبر قوة لدى القذافي وهي دباباته الثقيلة. ورغم كثرة ما قيل عن مناطق الطيران المحظورة إلا أن سلاح الجو لا يمكن أن يسيطر على الأراضي المفقودة. ولذلك فإن الحديث يدور الآن بين الدول الغربية والقوى الرافضة للقذافي حول الصواريخ المضادة للدبابات للتخلص من أكبر خطر في ترسانة القذافي وهو الدبابات الثقيلة كما أشرنا. ومثل هذا السلاح الذي يكفل التصدي للدبابات يتطلب - فضلا عن توفيره - التدريب على استخدامه بفعالية وإلا انقلب وبالا على من يستخدمه، من هنا فإن وجود أطقم استخباراتية قادرة على التدريب يعد أمرا في غاية الأهمية.
ويسيطر القذافي على الاتصالات كافة في ليبيا بما في ذلك شركة الهاتف الوطنية، شبكات الهاتف المحمول، والإنترنت. ويحتاج المتمردون إلى معدات اتصال فعالة حتى يمكنهم التواصل مع بعضهم البعض، وتكوين مجموعات قادرة على الحركة وسط صحراء ليبيا الشاسعة لتنسيق جهودهم. ومثل هذه المعدات سوف تمكن قواتهم من الحصول على وسيلة إنذار مبكر يفيد في حالة قيام قوات القذافي بهجوم مفاجئ بحيث تستطيع القوات المضادة اتخاذ مواقع سليمة للدفاع عن نفسها فضلاً عن إجراء تعبئة سليمة وإعداد خططي مناسب.
ولو ألقينا الأضواء على القوى الثائرة على القذافي سنجد أن من بينهم بعض الجنود والضباط السابقين في الجيش الليبي، أما الأغلبية العظمى فهم مواطنون مدنيون لديهم موقف سياسي ورغبة في التغيير، وليست لديهم معرفة بالأمور العسكرية أو تدريب على تكتيكات الحرب الحديثة. ويعد التدريب كما هو معروف أمراً حيوياً بالنسبة لمثل هذه المواقف لتضمين النجاح عسكرياً. لذلك تقوم الخدمات الاستخبارية الغربية بالترتيب سراً لتدريب أعداد من الأفراد خارج ليبيا، وربما في دول أخرى قريبة ليدخلوا ليبيا بعد ذلك لتدريب أفراد داخل ليبيا. وترى دوائر الاستخبارات الغربية – التي تعرف أنها مرصودة – أن قيمة المقاتل جيد التدريب ليس مجرد ضرورة عسكرية فقط، وإنما هي ضرورة نفسية لرفع الروح المعنوية لدى المقاتلين الآخرين.
ويضرب التقرير مثالا على ذلك بالجهود الاستخباراتية البريطانية في اليمن 1962 عندما نجح البريطانيون في تدريب قبائل يمنية على التصدي للجيش المصري الذي كان يمتلك أسلحة أفضل.
ويقول التقرير إن الانتفاضة ضد القذافي الآن تدار بطريقة ارتجالية في مناطق عديدة تحركها كراهية النظام وليست الرؤية المتماسكة لمستقبل البلاد، ولذلك فإن الجهود الاستخباراتية السرية هي الأمل الأكبر؛ لأنها ستكفل توحيد القوى المتنافرة والمتباعدة في صحراء مترامية الأطراف يحمل زعماؤها أجندات مختلفة ولكل منهم مصالح مختلفة. وتوحيد القوى هو الأمل الوحيد لكي يكون لخصوم القذافي قوة تذكر بحيث يمكنهم تنفيذ عمليات والأهم من ذلك التوصل إلى قيادات شرعية يمكن الاعتراف بها.
غير أن الأعمال السرية لها مخاطرها أيضاً، فقد يقتل العميل أو يتعرض للأسر، والأسرى سيتم عرضهم على شاشات التلفاز كدليل على التورط الأجنبي. ولكن الأمور أصبحت على المكشوف، ولذلك فقد قرر الغرب المضي قدماً والتوسع في العمليات الاستخباراتية عملاً بشعار فئران الصحراء الإنجليز الذين عملوا تحت شعار "من لديه الجرأة يكسب"، وهو الشعار الذي جعل هذه القوات الخاصة تدمر وسائل اتصالات ومواصلات ومراكز قادة القائد الألماني العبقري روميل سنة 1942. وتوافينا الأنباء أولاً بأول بحجم العمليات السرية التي توسعت أخيراً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي