مذكرات تاجر مهاجر
عندما عدت من أمريكا بعد دراسة الماجستير واللغة، التي كانت عقبة في طريقي عند بداياتي في العمل التجاري، عدت وكلي أمل وثقة بأن أبدأ عملي الخاص في مدينتي التي تربيت بها وعشت أجمل أيام العمر. ورغم أن أمريكا بهرتني بجمالها، إلا أن جمال أمريكا لم يزدني إلا حبا وشوقاً وتعلقاً بالرياض. عدت وكلي ثقة بأنني قادر بإذن الله على أن أحذو حذو كبار رجال الأعمال وأصنع من اللاشيء شيئا يشار له بالبنان، وأن أجعل من حلمي لتكوين شركة كبيرة حقيقة وأن أساهم في تطوير اقتصاد بلدي وأن أرد لهذا البلد بعض أفضاله عليّ. استعنت بالله وذهبت إلى وزارة التجارة لأسجل اسم مولودي الجديد، ولكن للأسف وجدت كل الأسماء التي اقترحتها مسجلة.عدت من دون تسجيل اسم، وبعد محاولات عديدة دامت أسبوعين وبعد الاستعانة ببعض المعقبين، استطعت أن أجد اسما تجاريا لمنشأتي الجديدة، وقد كانت فرحتي غامرة، خصوصاً أني كدت أن أفقد الأمل في إيجاد اسم. بدأت العمل التجاري وحصلت على عقود توريد صغيرة من الدولة ولكني لم أستطع أن أتسلم مستحقاتي، إذ يجب أن أحصل على شهادة سعودة وشهادة زكاة ودخل وشهادة اشتراك الغرفة التجارية، ورخصة بلدية وشهادة دفاع مدني، واكتشفت أن كل هذه الجهات لديها متطلبات وتحتاج إلى أيام وربما أشهر، كما أن كل إدارة من هذه الإدارات تقع في جهة مختلفة من المدينة. قلت لهم: أنا ما زلت مبتدئا، ليس لدي موظفون وإنما أنا وحدي، والسعودة لديّ 100 في المائة، ولكن لم يسمعني أحد. استعنت بالله وبعد جهد جهيد وبمساعدة بعض المعقبين المحترفين، استطعت أن أكمل هذه الطلبات، التي كانت أشبه بالقنبلة العنقودية، فكل طلب يتفرع منه طلبات أخرى، وإن لم يصبك أحد هذه الطلبات باليأس، فإن الآخر سيفعل لا محالة. فكرت في تطوير العمل وإحضار محاسب، فقلت أذهب إلى مكتب العمل لأحصل على تأشيرة محاسب، فقالوا لي: يجب أن تذهب بعد صلاة الفجر أو قبلها وتنتظر ست إلى سبع ساعات، ومن ثم سيطلبون منك ما طُلب منك أعلاه نفسه، مضافاً إليه بعض الطلبات الأخرى، وستأخذ العملية منك عدة أشهر. قلت لهم: أنا من شباب الأعمال وأحتاج إلى تسهيلات ودعم، ولكن كان لسان حالهم يقول: نحن لسنا دور رعاية. وحيث إنني أعلم بأنه ليس لي جلد على ما يطلبون ولا على الطريقة التي يعاملونني بها، قررت عدم التوسع. بدأ يقل عندي الحماس، رغم أني كنت كالموج الهائج ،إلا أنه للأسف سرعان ما أصطدم بسدٍ أقوى منه وتحول إلى قطرات ماء. بقيت في وظيفتي مع بعض المحاولات التجارية الخجولة. حاولت الاستسلام لليأس ولكن لم أستطع، فقد كان الحلم يكبر بداخلي رغم كل الصعوبات، التي واجهتها. وبعدها بثلاثة أعوام قررت الذهاب إلى دبي لتجربة العمل التجاري. ذهبت ولم يبال بي أحد من الجهات المسئولة أعلاه، وكان لسان حالهم يقول "الله يخفف عليك ويسهل لك"، ذهبت ولسان حالي يقول:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة
وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام
وصلت إلى دبي، ووجدتها تستقبلني بقرارات تحتفي بي منذ دخولي المطار، إلى تأسيس عملي التجاري، ومن ثم مساعدتي وتشجيعي على توسيع أعمالي. وكانت القرارات واضحة وصريحة لجميع الجهات الحكومية، والهدف منها هو تسهيل عمل رجل الأعمال. وجدت الوزراء والمسئولين عند بداية تعيينهم، يبدؤون بخطبة تؤكد أنهم موجودون لخدمة رجال الأعمال وتسهيل أمورهم، ولم يأتوا بخطب الحجاج بن يوسف عندما وليّ العراق، بالتهديد والوعيد. ذهبت إلى الدائرة الاقتصادية لتسجيل اسم تجاري، أعطيتهم الاسم فوجدوه، وسجلت الاسم في 40 دقيقة. طلبوا مني صورة الجواز وعقد إيجار المكتب، ومن دون ملف علاقي أو تصديق أو.. إلخ.. من الأوراق. سلموني السجل التجاري واعتذروا عن التأخير، ونصحوني بأنه في المرة القادمة لا داعي لحضوري، إما أن أرسله مع أي مندوب، أو أحجز الاسم التجاري من موقعهم الإلكتروني. قلت لهم: أريد عمالة فقالوا: لديك مكتب في المنطقة الحرة يبعد عنك 5 دقائق. فقلت : هل أذهب قبل صلاة الفجر أم بعدها؟ .. قالوا: بل اذهب متى ما شئت في أوقات الدوام الرسمي، والانتظار سيكون من 20-30 دقيقة، أو أرسل أي موظف من أي جنسية كانت ما دام يعمل لديك. سألتهم عما إن كان بالإمكان أن تصدر التأشيرات خلال شهر أو شهرين لأتمكن من بدء العمل، قالوا خلال ساعتين يصدر لك عدد التأشيرات التي تريد. حَصلت على كل ما أريد لبدء العمل في ثلاثة أيام وفعلاً بدأت العمل بحمد الله. بدأ المشروع صغيراً، وبعد ثلاثة أعوام أصبحت منشأتي من الحجم المتوسط، وبعد أربعة أعوام أخرى أصبحت المنشأة بفضل من الله ثم بفضل تشجيع الحكومة، وبحسب معايير البنك الدولي، من المنشآت الكبيرة. كما أنه خلال السبع سنوات التي عملت فيها في دبي لم أواجه إلا القليل من المشاكل، وعند ذهابي إلى بعض الدوائر الحكومية لحل تلك المشاكل، وعند مقابلة المسئول، فإنه إما أن يحل لي المشكلة أو يرشدني إلى حلها. ولا أذكر أن حل أي من هذه المشاكل استغرق أكثر من ساعة واحدة. نعم بفضل الله تحقق حلمي مع أنه ناقص، حيث إنه رغم حبي الشديد لدبي وأهلها، إلا أنني تمنيت أن يكون هذا النجاح في الرياض ليكتمل الحلم. والمهم الآن ليس حلمي الذي تحقق، الذي أتمنى أن يكون حافزاً لشباب الأعمال، ولكن المهم هو أحلام جيل شباب الأعمال القادم، ماذا سيفعلون عندما يواجهون الصعوبات نفسها، هل يهاجرون بأفكارهم ومشاريعهم أم يستسلمون للهزيمة ويبحثون عن وظيفة، أم نساعدهم لتحقيق أحلامهم؟ إن اقتصادنا يخسر مليارات الريالات سنوياً بسبب عدم تسهيل الإجراءات للمشاريع الصغيرة وأصحابها، ورغم أن الدولة مشكورة أنشأت صناديق وقروضا وجوائز لدعم هذه المشاريع وأصحابها، إلا أن صعوبة الإجراءات بدايةً بتسجيل المنشأة، إلى استخراج تأشيرة العمالة ما زالت كما هي. ولكن أملنا في الوزراء الجدد كبير ونسأل الله أن يعينهم ويوفقهم. كما أننا نأمل كل الخير في لجنة شباب الأعمال في الغرفة التجارية وفي جائزة الأمير سلمان حفظه الله لشباب الأعمال، التي رغم حداثتها إلا أن ما قامت به إلى الآن وتوجهها لخدمة شباب الأعمال سيكون حافزاً كبيراً لهم، خصوصاً إذا ما تعاونت أمانة الجائزة مع الجهات الحكومية لتذليل العقبات التي تواجه شباب الأعمال.
مقتطفات من مقال سابق:
تعلمت أنه ليس كل من انتقد بلده هو حاقد أو عديم الوطنية، وإنما محب غيور يتمنى أن يصبح بلده أحسن من دبي. وفي المقابل، تعلمت أنه ليس كل من يدافع عن بلده وينتقد من ينتقده هو محب لبلده ولديه وطنية، وإنما ربما يكون من الخطوط الأمامية للفساد.
رجل أعمال