الاستثمار في الدول الإسلامية .. صناعة ورؤية استراتيجية
عُقد مؤتمر الاستثمار في الدول الإسلامية في العاصمة الأردنية بتنظيم من غرفة التجارة الأردنية وبحضور عدد من المستثمرين وممثلين عن أكثر من 56 دولة. اللافت للنظر كانت كلمات الافتتاح خاصة كلمتي صالح كامل رئيس الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والسلع وكلمة رفعت يسار أوغلو رئيس اتحاد الغرف والتبادل السلعي التركي، لتأتي الكلمتان مكملتين لبعضهما دون ترتيب مسبق وتضعان اليد على الجرح، كلمة صالح كامل تحدثت عن المقصد الأساس من الاستثمار في الإسلام، وهو إيجاد فرص عمل وإعمار للأرض والتشغيل، وبالتالي وضع حد للبطالة وخلاف ذلك، لا يعدو الاستثمار أن يكون عملا طفيليا يقتات على جهود الآخرين، ليبين يسار أوغلو أن تركيا حققت فعليا بصمة نوعية في الإنجاز الاستثماري، ويبين بالإحصائيات الرقمية إنجازات تركيا المبهرة في فترة زمنية قصيرة لتصل إلى أن يُباع من كل أربعة أجهزة كهربائية في أوروبا جهاز تركيّ، وبين أن تحقيق الرفاه لا يكون إلا بتعاون الدول الإسلامية وتحرير التجارة البينية وتسهيل العوامل المساعدة على انسياب السلع عبر الحدود دون أن نخشى من غزو مختلف، وكأن لسان حاله يقول: توقفوا عن النظرة السلبية للعولمة والانفتاح التجاري على الأقل فيما بين الأخوة الإسلامية - الدول الإسلامية - صفق الحضور طويلا لخطابه حتى ظننت لوهلة أنه لو فُتح لهم المجال لصافحوه بشدة.
نحن أمام مرحلة فريدة في تاريخ الأمة السياسي وبالنظرة إلى الصحوة الشبابية وضرورة تحقيق الرفاه من أجل أن يشعر المواطن بالاستقرار، تبدأ رحلة التغيير والإبداع وفي التمويل الإسلامي - تحديدا - نحتاج إلى تبني مثل هذه الصحوة لنرتقي عن المهاترات التي تجري في غرف تبادل الحوار والمنتديات عبر الإنترنت وننتقل من مرحلة التنظير إلى مرحلة العمل وخلق الفرص: الفرص الابتكارية، الفرص البحثية، الفرص التحليلية، ورسم مستقبل الصناعة بالشكل الذي يليق بالفهم المقاصدي للمعاملات المالية في الإسلام.
قد يبدو هذا النوع من الأفكار بحاجة إلى جهد من أصحاب رؤوس الأموال وصناع القرار، ولكنا فعليا بحاجة إلى جمعهم في محطة واحدة مع أصحاب الرؤية بعيدا عن الخلافات الفقهية الضيقة، أو الترجمة الفقهية والمقاربات الفقهية للعمل المالي الإسلامي أو مشابهة العمل التقليدي، والعيش في بوتقة تنافسية للأسف من الفرادة، بحيث لا تؤدي إلى تنافس ابتكاري إلا في حدود ضيقة جدا.
الدول الإسلامية في الإطار التكاملي تبدو بيئة صالحة جدا للاستثمار البيني، ولكن فجأة تصدمنا المحددات السياسية لنتقدم خطوة ونتراجع خطوتين في هذا الاتجاه، وخير مثال على ذلك ارتباط الاتفاقيات الاقتصادية من مثل اتفاقية توريد الغاز من إيران للبحرين بواقع سياسي يحد منها بل ويصل إلى حد إلغائها.
إن فصل النظرة الاقتصادية للتعاون التجاري بين الدول الإسلامية عن السياسة من الصعب بمكان، ولكن النظرة الشمولية لمصلحة الدول الإسلامية وشعوبها تتطلب إيجاد مخرج حتى وإن كان ملزما قانونيا عبر الاتفاقيات ولن نخوض في غير تخصصنا، ولكنه التفكير بصوت عال بعد المشاهدات التي حملت خسائر فادحة للدول الإسلامية فيما بينها وبين بعضها بعضا نتيجة لتغلب السياسة على المصالح الاقتصادية.
في هذا الإطار تبدأ حكايات عديدة تنتشر هنا وهناك، ففي السودان على سبيل المثال وعلى أرضها يسيطر الصينيون على الاستثمارات المهمة، بينما الدول الإسلامية تؤجل دوما الفرص الاستثمارية في انتظار القادم من الأيام وهل يحمل أمنا واستقرارا سياسيا، ولا تكفي التطمينات الحكومية من السودان في هذا الاتجاه، وفي المقابل تحقق الصين أرباحا هائلة مع كل يوم إسلامي من التردد في جرأة اتخاذ القرار الاستثماري، كل ذلك بسبب صعوبة فصل السياسة عن القرار الاستثماري فيما بيننا، بينما قد لا نتردد أبدا في الاستثمار في الدول الغربية.
البعد المقاصدي للاستثمار بين الدول الإسلامية وبعضها بعضا يُلزمنا التفكير بطريقة مختلفة عن السائد ويُحتّم على أصحاب القرار إعادة النظر في اعتبارات عديدة وتغليب مصلحة الشعوب قبل كل شيء مع الأخذ بعين الاعتبار لإعادة النظر في الكفالات القانونية التي تضمن استمرارية التعاون والتكامل فيما بين المستثمرين وبعضهم بعضا وتحريرهم من قيود البيروقراطية السائدة في المؤسسات، إضافة إلى امتيازات خاصة.
من المعاني التي بثها خطاب رفعت يسار أوغلو في مؤتمر الاستثمار في الدول الإسلامية أن النهج التركي في الانفتاح على العالم مع الإصرار على تحقيق الرفاه للشعب التركي غيّر مع المدة من نظرة العالم لتركيا، وبدأت رحلة الانتقال النوعي لتركيا عبر خطة استراتيجية متناغمة مع مختلف القطاعات ومتناغمة أيضا مع الخطاب السياسي للتسويق لتركيا، بحيث تنتقل من المرتبة السابعة عشرة للدول الصناعية في العالم إلى المرتبة العاشرة، وهي خطة استراتيجية في نظرة طموحة ومتفائلة لعام 2020.
إن الأسلوب الاقتصادي - القوة الناعمة - لدولة تحتل المرتبة الثالثة في تصدير أجهزة التلفاز، وتقع ضمن لائحة الخمس الأوائل في إنتاج الذهب، والثامنة عالميا في صناعة البناء والسفن، بالرغم من أنها غير منتجة للبترول وتكلفها فاتورة الطاقة غاليا، يستدعي الإشادة بنموذج إسلامي، وتعميق التكامل الاقتصادي معه.