الكوارث الطبيعية والاقتصاد الأوروبي

يبدو أن التغير المناخي والحديث الطويل عن حرارة الأرض أصبح في الفترة الأخيرة يحمل بعض الشواهد على أن الطبيعة - بأمر الله سبحانه - كانت وما زالت تملك اليد الطولى في تغيير مجريات الأحداث، وتثبت قوتها أمام عقل الإنسان وتطور تقنياته وإنتاجاته العصرية.
واليوم ونحن نتذكر ونشهد الآثار الاقتصادية للكوارث الطبيعية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تسونامي آسيا وزلزال اليابان، وقبلهما وبعدهما بركان آيسلندا وفيروس إي كولاي، والحدثان الأخيران هما ما دعاني إلى التفكير فيما يمكن أن تجره تلك الكوارث الطبيعية على أوروبا تحديداً.
وبالعودة إلى البعد الاقتصادي لتلك الأحداث، فإن خسائر تسونامي على الاقتصاد الآسيوي كانت في حدود 15 مليار دولار، وزلزال اليابان كلف الاقتصاد الياباني نحو 300 مليار دولار، وهو الاقتصاد القوي ويستطيع التحمل، ولذلك فإن التوقيت الحالي مهم جدا في دفع سير الأحداث تجاه نهايات متوقعة اقتصاديا، لكن الكوارث الطبيعية تعجل بحدوث تلك النهايات. وهنا أتحدث عن الاقتصاد الأوروبي، فبعد آثار الأزمة العالمية جاءت ديون اليونان لتضع المنظومة الأوروبية أمام اختبار كبير لمدى جدوى اتحادها الاقتصادي، لكن الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي قررت أن تحافظ على ذلك الاتحاد ودعم اليونان ومن ثم البرتغال وأيرلندا. وكان السؤال: هل يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يتحمل دخول أسماء جديدة لنادي المفلسين؟ كان الحديث تحديدا عن إسبانيا وإيطاليا.
اليوم وأنا أرى مشهد بركان آيسلندا وتأثيره في حركة الملاحة وتأثيراته في الاقتصاد الأوروبي وفي التجارة الدولية لدول أوروبا، فإني أتذكر خسائر الاقتصاد الأوروبي عندما حدث البركان الأول، حيث تكبد الاقتصاد الأوروبي خسائر فاقت خمسة مليارات دولار حسب تقرير "أياتا"، وتكبدت شركات الطيران خسائر فاقت 1.8 مليار دولار .. فماذا سيحدث لو عاد البركان مرة أخرى؟ وماذا لو عاد في وسط أحداث أخرى؟
وبالعودة للحديث عن احتمال دخول إسبانيا نادي المفلسين، وهو حسب المراقبين سيكون القشة التي قد تقصم ظهر الاقتصاد الأوروبي ممثلا في الاتحاد، واليوم الحديث عن الآثار الناجمة عن الزلزال الذي حدث في إسبانيا وقدرت خسائره بـ 100 مليون يورو، وإذا استمر تأثير بركان آيسلندا في الملاحة والتجارة في أوروبا فإن تلك الخسائر ستتضاعف، وبالتالي ستذر الملح على الجرح الإسباني، وعندها سيكون لزاما على الاتحاد الأوروبي أن يتدخل، فقط عند ذلك الوقت سيكون الحديث عن استمرار الاتحاد الأوروبي سؤالا صعب الإجابة.
الحدث الآخر هو فيروس إي كولاي، الذي خلق نوعا جديدا من الاضطراب الاقتصادي، خصوصا عندما طالبت إسبانيا بشكل مثير بتعويضات من ألمانيا بسبب ما جناه الفيروس الألماني على الاقتصاد الزراعي الإسباني، الذي يئن أصلا تحت وطأه التباطؤ الاقتصادي، وتقدير الخسائر الأسبوعية على القطاع الزراعي الإسباني في حدود 288 مليون يورو أسبوعيا، والقطاع الذي يسهم بما نسبته 1.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الإسباني. هذه الأرقام وإن كانت بسيطة وتمت السيطرة على الفيروس، فإنها تعطي مؤشرات كبيرة على ما يمكن أن تجره الأحداث الطبيعية في فترات قصيرة من تبعات اقتصادية على اقتصادات تعاني كثيرا وتحيطها المخاوف من الحاجة إلى خطط دعم اقتصادية أسوة بغيرها من الدول الأوروبية.
باختصار، إن الأحداث الطبيعية في الفترة المقبلة تلعب دورا في تحديد التوجهات الاقتصادية المستقبلية في القارة الأوروبية والعالم، والتحوط لمثل تلك الأحداث قد لا يجدي نفعا إذا كانت تاريخية كما في بعض الأحداث الأخيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي