حرب الغاز الطبيعي بين لبنان وإسرائيل
الحوادث الخمس التي وقعت لخط الغاز الطبيعي من مصر إلى إسرائيل فتحت ملف حرب الغاز المتوقعة بين لبنان وإسرائيل، فقد تأكد للإسرائيليين أن الأمور في مصر قد تجري على غير هوى مسؤوليها، وأن هناك عناصر متزايدة ترفض دعم إسرائيل، بل ترفض مجرد التطبيع أو استمرار العلاقات، ولأن استراتيجية إسرائيل تقوم على تجنب ضربات الصدف، فهي لا تترك الأحداث تتحرك بتلقائية، وإنما تهرع إلى نفخ أبواق التحذير، بل دق طبول الحرب وإثارة حليفتها الكبرى الولايات المتحدة لتدخل المعركة بذرائع إسرائيل وتحريضها.
والقصة أن إسرائيل وجهت في المياه الإقليمية الفلسطينية كميات هائلة من الغاز الطبيعي، وبدأ الحديث في أسواق الطاقة عن انضمام مصدر جديد إلى زمرة بائعي الغاز، وبدأ الاستخراج الذي تبع مرحلة من التطويق، وأعني بالتطويق أن إسرائيل تابعت ينابيع الغاز حتى وصلت إلى المياه الإقليمية اللبنانية، وبالفعل ثبت وجود الغاز بكميات وفيرة في المياه اللبنانية، لكن إسرائيل التي أدمنت سرقة حقوق الغير حتى تبقى مسيطرة أطلقت صيحات الفزع وبدأت تطلب النجدة من راعيتها وسيدتها، لكن الأمور كانت أكبر من مجرد تبعية آلية، فقد رأت واشنطن أن ما لدى إسرائيل في المياه الإقليمية الفلسطينية ضخم بكل المعايير ولذلك لا مبرر من القرصنة على الغاز اللبناني، بل قيل إن واشنطن طلبت سرا من الحكومة اللبنانية أن تلجأ إلى الأمم المتحدة لإجراء رسم للحدود المائية، كما حدث بين قبرص وإسرائيل، وما حدث بين قبرص ولبنان، ووافقت واشنطن فورا على خطة إعادة ترسيم الحدود على امتداد المياه الإقليمية لكل من لبنان وإسرائيل. وسوف تتولى الأمم المتحدة هذه المهمة، وقد أرسلت بالفعل فرق خبراء لرسم الحدود؛ ما أثار حفيظة إسرائيل ودفعها إلى حالة من الهيستيريا السياسية التي تواكب أية مطالبة إسرائيلية بجوائز استراتيجية، وتوجهت مدافع الهجوم الإسرائيلية إلى باراك أوباما الذي وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بالمتواطئ مع لبنان، بغية شراء سكوتها وبعدها عن سورية وإيران.
وبدأت المنازعات 2009 وهو العام الذي اكتشفت فيه إسرائيل مكامن الغاز الطبيعي، وما إن احتجت الحكومة اللبنانية حتى خرجت وسائل الإعلام المؤيدة لإسرائيل في الغرب لتقول إن حزب الله يقف وراء المطالبات. ورغم أن حزب الله جزء من النسيج السياسي اللبناني، وبذلك فإن من حقه المطالبة بأية مطالب أو مصالح وطنية لبنانية، إلا أن إسرائيل تدرك أنها دمغت الحزب بخاتم الإرهاب ومن ثم فإن مطالبه إن تحققت فهي تدعم الإرهاب.
تقدمت لبنان بشكواها للأمم المتحدة في آب (أغسطس) 2010، ولعبت إسرائيل جميع لعبها الأولى بالتجاهل الكامل حتى لا تصبح القضية عالمية وبذلك قد يستقطب لبنان المزيد من الأنصار لمطالبه العادلة، خاصة أنها هي والمغرب الدولتان اللتان ليس لديهما نفط أو غاز والثانية بالضغوط السياسية الخفية على أنصارها في واشنطن لتخويف أوباما وإقناعه بأن الغنيمة من حق إسرائيل.
رفض أوباما الضغوط وفرض على إسرائيل قبول الترسيم الجديد، فقبلت على أمل منح لبنان مساحة ضئيلة، والغريب أن هذا الترسيم للحدود المائية استغلته إسرائيل لأهداف سياسية عسكرية، فبدأت تتحدث عن العدوان اللبناني ممثلا في احتمالات قيام حزب الله بضربة جديدة على غرار حرب 2006. وتتحجج إسرائيل بأنه أثناء ترسيم الحدود بين قبرص ولبنان لم يطالب لبنان بالمساحات التي تطالب بها الآن، والتي ثبت وجود الغاز الطبيعي فيها أو المساحات المحيطة بمناطق الغاز التي يحتمل أن يظهر فيها الغاز بكميات كبيرة للغاية. ويركز لبنان بالفعل على المساحات المحيطة بمناطق الاكتشاف الفعلي الذي حققته إسرائيل عام 2009.
وتصرخ إسرائيل المتطلعة إلى الهيمنة على أكثر قدر من الموارد الطبيعية العربية، وتقول إن لبنان لا يطلب الغاز ولكنه يختلق الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى وقوع حرب، وذلك بتحريض من حزب الله ومن ورائه إيران التي تنشد وقوع حرب جديدة يمكن لحزب الله أن يجرب فيها الصواريخ الجديدة الموجهة وبعيدة المدى، وعلينا أن نذكر أن حزب الله أطلق أربعة آلاف صاروخ على إسرائيل سنة 2006، ولذلك تجد إسرائيل آذاناً صاغية لدى المتعاطفين معها والمناوئين لحزب الله. تتجاهل إسرائيل حقيقة أن لبنان بلد متعطش للطاقة ويدفع فاتورة هائلة من موارده المحدودة لتحقيقها، وأنه يعمل سياسياً للحصول على حقوقه من أراضيه ومياهه الإقليمية. وهذا يعني ببساطة أن لبنان لا يتحرش لبدء حرب أو يقدم مبررات تسبب الحرب casus belli.
وكعادة إسرائيل تلجأ للصراخ في أذن أمريكا؛ لأن الأمور تكشفت تماماً للجميع وظهر أن إسرائيل ولاية أمريكية حتى وإن سمحت لها واشنطن بإنتاج مدفع عوزي ودبابة ميركافا. من هنا نلاحظ أن الحملة الإسرائيلية متضمنة الأفكار الأساسية التالية:
أولاً: أن لبنان يطالب بحقوق باطلة مثلما فعل في مسألة مزارع شبعا على هضبة الجولان سنة 2000.
ثانياً: أن أمريكا يجب أن تتخلى عن دورها العالمي والقائم على احترام حقوق الجميع وتقف مع إسرائيل في خندق واحد للحصول على الغنيمة بأكملها لمصلحة إسرائيل.
ثالثاً: المبالغة في الحديث عن احتمال توقف الغاز المصري نظراً للتطورات السياسية غير الواضحة في مصر.
رابعاً: أن القضية ليست قضية غاز وإنما هي محاولة من حزب الله لإيقاع إسرائيل في دائرة القراصنة الذين يلتهمون كل شيء ثم يتباكون على أقل القيل، وهذه سيكولوجية اللصوص دائماً.
لذلك يمكننا أن نصف ما يجري الآن بأنه زوبعة يجري احتواؤها بحيث لا يستفيد لبنان جراء انتشارها، وقوام هذه الزوبعة أن تحاول إسرائيل الضغط على أمريكا لتتخلى عن فكرة ترسيم الحدود المائية وتبني مطالب إسرائيل بالحصول على الكميات كافة، بل والإبقاء على المناطق المجاورة كاحتياطي استراتيجي. وفي محاولة لتخويف أوباما تنطلق أبواق الدعاية الإسرائيلية لتصف أوباما بالانهزامي، لأنه يلجأ لسياسة التهدئة appeasement التي لجأ إليها نيفيل تشامبرلين مع هتلر فكانت النتيجة هجوم هتلر على بولندا والتهامها ومن ورائها تشيكوسلوفاكيا وغيرها.
ويرى أنصار إسرائيل أن رفض أوباما اتخاذ جانب ضد آخر يعد خيانة للحلف الأبدي مع إسرائيل، وحجة إسرائيل أن الأمم المتحدة منظمة معادية لإسرائيل، مع أن الأمم المتحدة هي التي صنعت إسرائيل ومع أن واشنطن تقف في مجلس الأمن بورقة الفيتو لمنع إلحاق أي ضرر – ولو أدبي – بإسرائيل، ويصل الأمر بصواريخ الهجوم الإسرائيلي الإعلامي إلى وصف موقف أوباما بأنه يقف إلى جانب إيران من خلال حياده في لبنان؛ لأن أية مكاسب للبنان – في رأي إسرائيل – هي مكاسب لحزب الله ومن ثم لإيران، أي أن أوباما أصبح عدوا لإسرائيل.
ويرد أوباما بأن موقفه ينبع من رغبة الولايات المتحدة في الحيلولة دون وقوع حرب جديدة؛ لأن إشعار لبنان بالعدالة والحياد لن يعطي فرصة لحزب الله بأن يهاجم إسرائيل، التي يعتبرها كل لبناني باغية سارقة.
فضلاً عن أننا وإن وقفنا دائماً مع إسرائيل، لا نود الوقوف وراءها وهي تمارس السرقة والتهام حقوق الغير.
ويأتي الرد الإسرائيلي بأن الحرب الأخيرة مع حزب الله سنة 2006 علمتنا (علّمت إسرائيل) أن هذا السلوك هو الذي يشجع الآخر على الهجوم لأن عدالة أوباما في مواجهة لبنان ضد حليف مهم هو إسرائيل تعني أن الحرب بينهما آتية لا محالة، وأشرس الحروب ما كان دافعها الاقتصاد.