رمضان والعيد.. هل هي نسخ مكررة؟

عيدكم مبارك، وأسأل الله أن يتقبل من جميع المسلمين طاعاتهم. أستهل هذا المقال بسؤال يطرح نفسه في كل عيد: هل رمضان والعيد (ولنسمها الموسم) لهذا العام تكرار للأعوام السابقة لها؟ يجيب الكثير من الناس عن هذا السؤال بأنه لا فرق يذكر بين موسم وآخر، لكن يرى فريق آخر أن لكل موسم طعما مختلفا وأداء متفردا وذكريات متفاوتة مهما بلغ التشابه بين المواسم، وسأختار لكم بعض المختارات من المتشابهات وأخرى من المفارقات لنتأمل فيها.
في موسم هذا العام الكثير من المتشابهات مع المواسم السابقة، فعلى الصعيد الإعلامي ما زالت القنوات الفضائية تتسابق لعرض ما لديها بغض النظر عن ملاءمته روحانية الشهر الكريم بهدف جذب أكبر عدد من المشاهدين، والغاية لدى الكثير تبرر الوسيلة، كما أن صورة المواطن السعودي في الإعلام المحلي (المسلسلات وبرامج المسابقات) لا تزال هي تلك الصورة السلبية التي تركز على كل قبيح ومستكره من الصفات والأحوال، فتؤكد ما نحاول تجميل سمعتنا به، فجاءت الضربة من الداخل، ومع الأسف.
أما على الصعيد العلمي فما زال هلال شوال ودخول العيد محل جدل عميق بين الفلكيين والشرعيين، وما زال من يرى الهلال الرؤية الشرعية يفوز على مخالفيه بالضربة القاضية.
وعلى صعيد النقل والمواصلات فما زالت ندرة حجوزات الطيران بين مدن المملكة، خاصة بين جدة والمدينة من جهة وباقي مدن المملكة من جهة أخرى في تزايد، خاصة في نهاية الأسبوع، في حين ما زالت محطات الطرق (من دون منافس) تمثل أسوأ واجهة للسعودية والسعوديين على الإطلاق من خلال مساجدها ودورات المياه فيها - أكرمكم الله.
وعلى مستوى الثقافة للشارع العام فما زالت كما هي في الأعوام السابقة، فالأحذية والنعال (كرمكم الله) ترمى أمام أبواب المساجد، ولا تزال نغمات الجوال تصدح بالأغاني والإمام يتلو كتاب الله، وما زالت السيارات تطير بسرعة جنونية وقت ما قبل أذان المغرب ... إلخ.
ما زال كثير من خطباء الجمعة يتحدثون عن المصائب والمحن والحزن وهم يخطبون يوم العيد، ناسين أو متناسين أنه يوم الفرح والسرور!
أخيراً .. مما لم يتغير خلال الأعوام السابقة المعايدة برسائل الجوال، التي أفقدت العيد حميميته وحولته الى عملية ميكانيكية، وإن كان أحسن محاسنها أنها أوقفت أرتال المعايدات البريدية التى كانت تصل بالمواصفات الميكانيكية نفسها، لكنها كانت أكثر تكلفة.
أما الجديد في موسم هذا العام ففيه العديد من المفاجآت، ومن الأمور المفرحة تزايد أعداد المصلين في المساجد وكذلك أعداد المعتمرين والزائرين في الحرمين الشريفين، السلبية الوحيدة لهذا الأمر هو عدم استيعاب الحرم هذه الحشود، وسوء التنظيم لها!
أطل علينا الموسم لهذا العام وقد رسخ الإعلام الجديد أقدامه في حياتنا اليومية فما يتداوله الناس من خلال الفيس بوك والتويتر ومايتبادلونه من معلومات عبر الإيميل واليوتيوب غيرت كثيراً من تعاملنا مع معطيات الاتصالات اليومية.
من الأمور الجديدة هذا العام أيضاً الأسعار المبالغ فيها في فنادق مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولعلها تعود إلى سابق عهدها بعد الانتهاء من مشروع جبل عمر والمشاريع الأخرى في المنطقة المركزية.
كما إن التفويج بالحافلات هذا العام في الحرم المكي وإيقاف دخول السيارات الخاصة أوقات الصلوات يعتبر أمراً مستحدثاً، وإن كانت الفكرة ممتازة من حيث التنظير، إلا أن تطبيقها على أرض الواقع – ومع الأسف - كان مضرب مثل في الفوضى، وكم كان بودي لو خاض المسؤولون التجربة مع جموع المستخدمين وفي أوقات الذروة ليروا بأم أعينهم الفشل الذريع لإدارة ونقل الحشود في العاصمة المقدسة.
مما غير موسم هذا العام عن الأعوام السابقة، تغير الظروف في أنحاء العالم العربي، فجموع المصلين كانوا يتابعون ما يحدث في سورية وليبيا على أحر من الجمر وبشكل مستمر، نسأل الله أن يفرج عنهم ويتقبل دعاء المسلمين لهم.
موسم هذا العام ختم بحدث لن ينسى، وهو أزمة المعتمرين المصريين في مطار جدة، فلأول مرة يهيم المسافرون في المطار .. في كاونتراته .. وفي ردهاته، بل حتى في ساحاته تحت سمع وبصر قوات الأمن، من دون حسيب ولا رقيب!
الجديد في عيد هذا العام قضاء العديد من السعوديين أعيادهم خارج الوطن اختيارياً .. وحقيقة لا أفهم كيف يمكن أن يستمتع المرء بقضاء إجازة العيد بعيداً عن وطنه؟! والأسوأ من ذلك من كان له والد أو والدة على قيد الحياة فكيف يستمتع هؤلاء بعيدهم بعيداً عن والديهم؟ حسناً .. تخيل أبناءك بعيدين عنك في العيد! بل تخيل عيدك من دون والديك أو أحدهما بعد فقدانهما .. إنها لحظات لا تعوض سيندم عليها البعض ويتمنون عودتها، لكن هيهات فلن يجدي الندم آنذاك.
ختاماً .. أطرح مجموعة من التساؤلات لتداول الرأي حولها والتفكير فيها خارج الصندوق:
• هل يمكن إعادة صلاة العشاء إلى موعدها السابق (بعد ساعة ونصف من أذان المغرب)؟ خاصة في العشر الأواخر حتى يمكن للمصلين قضاء حوائجهم قبل صلاة التهجد.
• هل يمكن تحديد مساجد محددة لصلاة التراويح مثل الجوامع بدلاً من إقامة الصلاة في كل مسجد؟ من المساجد الأكبر والأنظف، واستقطاب أفضل الأئمة والقراء، بدلاً من الصلاة في كل مسجد ومصلى، لا يكمل المصلون في بعضها الصف الواحد.
• هل يمكن أن يعاد تقسيم الصلوات في الحرمين؟ لتكون الصلاة في العشر الأواخر أقل من حيث الركعات، فتكون خمساً في التراويح وخمساً في التهجد، ويكون التهجد استكمالاً لصلاة التراويح بدلاً من البدء من الفاتحة مرة أخرى، وفي ذلك مراعاة لراحة المصلين، خاصة مع بعد الحرم عن المساكن ودورات المياه، مما يشق على كثير من المصلين، خاصة كبار السن والنساء.
• هل نطمع في تفريغ ساحة الطواف في الحرم المكي للمعتمرين فقط طوال أيام رمضان؟ وفي ذلك تحقيق الأولوية التي أقرها الشارع الحكيم في قوله تعالى ''وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود''؟

جعلكم من عواده .. وتقبل الله طاعاتكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي