من ينصف ملاك الأراضي من تغيير ملامح عقارات الأحياء..؟
مع ارتفاع أسعار العقارات - كما أشرت إليه في مقالي السابق - ودفع المشتري أموالاً طائلة لشراء قطعة أرض مساحتها مثلا 600 م في حي راق، وربما اشترى الأرض بالدين، يفاجأ صاحب الأرض بعد بنائها، بتغير بعض ملامح الحي, فمثلا:
يشتري بالقرب من حديقة، فتتحول إلى أراض سكنية..
أو يشتري بجوار مسجد، فيتحول إلى أرض تجارية ..
أو يشتري مقابل أرض سكنية واحدة، فيقوم جاره بتشطيرها نصفين، فيبني نصف الأرض، ويبيع نصفها الآخر ..
أو يشتري قريباً من مدارس بنين، فتتحول إلى مدارس للبنات، أو العكس ..
أو يشتري مقابل أراض سكنية, فتتحول إلى محطة بنزين, أو قصر أفراح ..
أو يشتري مقابل أرض سكنية, فتتحول إلى عمارة من عدة طوابق, وربما إلى ناطحة سحاب ..
فهذا التحول في العقار, وما طرأ عليه من تحول في الملامح والصفات يدفع ثمنه الشخص المتضرر, وهذه الصور غيض من فيض, وقليل من كثير, وبعضها وضع لها أخيراً إجراءات مشددة لمنعها, وبعضها لا يزال واقعاً, وتتضرر منه العقارات داخل الحي, ومنها ما تسمح به وزارة البلديات؛ لمبررات عدة - وهي محل نظر وجدل - ومنها ما تمنع منه، والحاصل أن صاحب العقار الذي دفع حر ماله ليشتري عقارا في حي مواصفاته كذا وكذا، يجب أن يحمى بمنطوق النظام, لا بمفهومه, فضلا أن توجد تنظيمات تسمح بتغيير ملامح العقارات في الحي.
إن دعاوى الضرر في المحاكم فيما يخص العقار- بحسب منصوص اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات- إما أن تكون دعاوى من ضرر المنتفعين بالعقار, وإما أن تكون دعاوى من ضرر العقار ذاته, ولهذا جاء في نص اللائحة التنفيذية:(31/13 دعاوى الضرر من المنتفعين بالعقار سواء أكانوا عزاباً أم غيرهم، من اختصاص المحاكم الجزئية ... أما دعاوى الضرر من العقار نفسه، ومن ذلك منع إنشاء قصر للأفراح، أو محطة للوقود أو نحوهما، فمن اختصاص المحاكم العامة) أهـ. وهذا يدل على أن الضرر اللاحق بمالك العقار معتبر عند الجهة المختصة بنظر دعاوى العقار, ويجب دفعه, وضرر المنتفعين بالعقار أخف من ضرر العقار نفسه؛ لأن المنتفعين به يمكن تحولهم من الحي, ولكن العقار يظل راكداً في مكانه, إلا أن المشكلة أن تقدير الضرر أمر نسبي, وهو مما يختلف فيه المهتمون, وتختلف فيه الدوائر الحكومية المختصة بالعقار, وترخيصه, وهل حجم الضرر اللاحق بمالك العقار كبير, أم لا؟ وهنا بيت القصيد, فالملاحظ مثلا أن وزارة البلديات لا ترى تشطير الأرض السكنية الواحدة لقطعتين أو ثلاث, لا تراه من الضرر اللاحق بالجار, ولهذا تسمح به, في الوقت الذي يراه الجار ضرراً, لاسيما أننا نرى كثيرا من الأحياء ذات العقارات والأراضي الكبيرة تتحول إلى أراض صغيرة في لمح البصر..!
إن تشطير الأرض لو كان مقتصرا على عقار واحد في الحي أو اثنين أو ثلاثة لكان أمراً مقبولا عند كثير من الملاك, إلا أن الواقع هو أن الحي يتحول كله أو أكثره بمجرد السماح لعدد من الملاك بالتشطير, حتى يتحول الحي قبلة للمستثمرين بالعقارات الصغيرة, وهذا له أثره الكبير في قدر الكثافة السكانية للحي, ويؤثر تأثيراً مباشراً في أسعار عقارات الحي على المدى القريب, فيشتري المالك الأرض بمبالغ باهظة, ثم تهوي الأسعار بفعل التغير الحاصل في العقار, مما دفع كثيراً من تجار العقارات ومطوريها إلى تعميق الأراضي, بحيث تمتد أمتارها إلى الداخل, وتكون أمتارها محدودة على الشارع؛ لئلا تسمح البلدية بالتشطير, ولإقناع المشترين بعقارات كبيرة داخل الحي, والضحية أخيرا هو صاحب الأرض وليس التاجر, لأنه سيضطر لبناء العقار وفق أطوال غير منسجمة مع مساحة الأرض, والمشكلة أن التعليمات البلدية كما أنها تسمح بتشطير الأرض, فكذلك يسمح به نظام التسجيل العيني للعقار- الذي عمل به حتى الآن على استحياء- فقد جاء في مادته الرابعة والستين: (إذا جزئت الوحدة العقارية المحملة بحق عيني تبعي إلى وحدتين عقاريتين أو أكثر، تحملت كل وحدة عقارية جديدة بالحق كاملاً، ويجوز الاتفاق بين الملاك الجدد وصاحب الحق التبعي على تجزئته بحيث لا تتحمل كل وحدة عقارية جديدة إلا جزءاً منه يحدده الاتفاق) اهـ. والمرجو من أهل الاختصاص إعادة النظر في الأنظمة والقرارات والتعليمات التي تضر بالملاك, وتحملهم للتحايل عليها.