المرأة السعودية .. حان دوركِ في صناعة القرار

بعد كلمة خادم الحرمين الشريفين التي عبّر فيها عن إنهاء فترة الجدل حول ما تمنحه المملكة من امتيازات سياسية للمرأة السعودية، بدأت مرحلة انتقالية نوعية في ظهور المرأة السعودية على ساحة صنع القرار كعضو كامل وفاعل وظاهر في إبراز ما وصلت إليه المرأة السعودية من حضور وثقافة مؤثرين، ما يؤذن بمرحلة جديدة على مستوى المشهد السعودي محليا وعالميا.
الآن بدأت فعلا المرحلة الذهبية لتفعيل دور نصف المجتمع السعودي وأكثر، بل أبعد، من أجل إبراز تطلعاتها وحجم المسؤولية التي من الممكن أن تضطلع بها المرأة السعودية.
إن التدرج في إبراز دور المرأة السعودية بعد أن تهيأت مجتمعيا وعمليا من أجل دور ريادي في بناء المجتمع السعودي المعاصر كان أمرا ظاهر الحكمة، وعلى الرغم من مراهنة الكثيرين على توجيه صورة المرأة السعودية في العالم وإبرازها على غير حقيقتها من ناحية الحقوق والواجبات.
حقوق المرأة السعودية كانت وما زالت موضوعا ساخنا لكل من يحاول ادعاء الخوف والحرص على حقوقها، وكأنهم أحرص عليها من أبناء جلدتها وأكثر فهما لمعطيات المجتمع السعودي من أبنائه أنفسهم. ولا نستطيع تجاهل سيطرة أخبار عدم السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارات والجدل الذي دار حول ذلك في إذاعات وقنوات عالمية، وتناسي دورها الاقتصادي والتركيز على أمور بأسلوب من شأنه النيل من دورها، وغض الطرف - المعروفة مقاصده - عما تتمتع به المرأة السعودية من حقوق شرعية في الإرث - على سبيل المثال لا الحصر، إضافة إلى استقلاليتها المادية التي مكنتها من لعب دور اقتصادي بارز رغم الاستثمارات المحدودة وغير الظاهرة نظرا لتنوعها وعدم وجود إحصائيات دقيقة.
إن مساهمة المرأة السعودية في صنع القرار السياسي، إضافة إلى ما يتبع ذلك من قرارات اقتصادية، يُمكّنها من لعب دور أكبر في توجيه جزء من الاستثمارات نحو مشاريع اقتصادية تخدم المرأة، وبالتالي المجتمع بأسلوب أكثر فاعلية والتصاقا بحاجاتها، وبالتالي فإن مساهمة العنصر الأنثوي بشكل مباشر في بناء المجتمع المحلي ودعم القرارات الحكومية بجرأة ورؤية مستقبلية يُمكّن السياسيين من تلمس حاجات المجتمع المستجدة، التي تتطلبها الحالة النهضوية القادمة، إضافة إلى القائمة حاليا والبناء عليها.
لا شك أن الاعتراف بأن الحاجات المستجدة للمجتمع السعودي باتت في حاجة إلى الخروج من الإطار الذكوري المطلق إلى الإطار التكاملي مع العنصر النسائي الذي سيثبت للعالم مع مرور الوقت أن النظرة غير المنصفة من قبل العديدين ممن هم خارج إطار هذا النسيج المجتمعي، الذين كانت أبواقهم وما زالت تحاول لعب أدوار غير منسجمة مع نضج قادة الهرم السياسي في المملكة، وها هي القرارات الملكية تُفوّت العديد مما كان مبيتا، وأعتقد أن هذه الأفواه المدعومة بتوجهات معروفة باتت مكشوفة وضاقت عليها مساحاتها التي تتخذ من منابر الصحافة والإعلام مسرحا ومنبرا يستميل من لا يقرأ خصوصية المجتمع السعودي بمعطياته الحقيقية، وعلى الرغم من أن هذه الأقلام أسهمت من حيث لا تعلم في لفت النظر لإصلاحات تحقق جزء منها، وسيكون القادم منها أكثر جرأة وعمقا وتمسكا بالمنطلقات الشرعية إلا أنه ينطلق من دراسة حقيقية وتفهم واضح لمعطيات المرحلة ومتطلبات البناء للمستقبل. لن نفاجأ أبدا بدور نشيط للمرأة السعودية، بل ننتظر أن تكون محركا حقيقيا - ثابتا بهويته واعيا ومسؤولا بتصرفاته، إضافة إلى إبداعات حقيقية على المستويات كافة التي يحتاج إليها المجتمع وبناء الأجيال.
إن المرأة في عالمنا الإسلامي ولو جاء دورها متأخرا على صعيد الساحة السياسية إلا أنها أثبتت في مناطق عدة من العالم الإسلامي بنماذج معروفة أنها تستطيع اختزال الوقت وإثبات قدراتها رغم أنها لا تنسى أولى أولوياتها: دينها وأسرتها.
إن الصروح العلمية في المملكة لم تخل من أسماء سيدات وجّهن قدراتهن نحو البناء والاستثمار في العقول، إضافة إلى أن القطاع الصحي والتعليمي لم يخل أيضا من أسماء عالمية أثبتت قدرتها الإبداعية وتميزها العلمي، وفي منح الفرصة للعنصر النسائي للتمثيل في مجلس الشورى إثراء واعتراف بدور المرأة الذي لا يمكن الاستغناء عنه وإن كان سابقا في الظل.
إن تتويج المرحلة الحالية الواعدة للمملكة بتمكين المرأة من الوصول إلى مجلس الشورى ومجالس البلديات هو بداية لقرارات إيجابية عديدة في هذا الاتجاه تدفع بالبنى التحتية للتربية والتعليم ممثلة في المدارس والجامعات والإعلام وغيرها من مؤسسات معنية بالتدريب، والتثقيف السياسي والإداري والاقتصادي، للمساهمة في تسريع عجلة التوعية وبناء القدرات القيادية النسوية، والاهتمام بخطط أكثر تركيزا على بناء القدرات النسائية الشابة من أجل رفد القطاعات المعنية بمتخصصات ونخب نسوية قادرة على تولي المهمات بهمة ومسؤولية عالية. إن الإيجابيات العديدة لمثل هذه القرارات، ومن بينها منح الثقة للعنصر النسائي في المملكة للمشاركة في صنع القرار تجبر المرأة السعودية على إبراز قدراتها وعدم الركون إلى الدعة والراحة، لأن الدور الذي ينتظرها من شأنه أن يؤثر في المنطقة إن خاضته بحجم المسؤولية والطموحات التي نتوقعها، ناهيك عن الإمكانات والدعم الذي من الممكن أن يوجه إليها مباشرة إن أحسنت استغلال الفرصة السانحة بالأسلوب السعودي المحافظ على الهوية الإسلامية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي