الاتحاد الأوروبي ومحاولات الرمق الأخير

منذ الربع الثالث من عام 2008، والعالم يعيش ويلات أزمة الائتمان الأمريكية التي تحولت إلى أزمة مالية على مستويات متعددة اقتصاديا، وعلى الولايات المتحدة وأوروبا تحديدا جغرافيا. وشهدت الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت العديد من الإجراءات والتعديلات والخطط لتحفيز الاقتصاد، ومنها الصحيح ومنها ما تدور حوله الشبهات، كما حدث في التيسير الكمي 2. وبعد ذلك انتقلت العدوى إلى الاقتصاد الأوروبي على مستوى الدول وليس الشركات، وبدأ مسلسل أزمة الديون السيادية في أيرلندا، ومن ثم اليونان التي أدخلت العالم و الاتحاد الأوروبي تحديدا في متلازمة خطط الإنقاذ التي بدأت بـ 154 مليار دولار لليونان من أصل نحو 300 مليار دولار وهي قيمة الديون التي ممكن أن تخسرها بنوك ألمانيا وفرنسا تحديدً إلى تشير الأرقام إلى أكثر من 50 في المائة من حجم الدين اليوناني، ونتج عنها أخيرا تخفيض لتصنيف بعض البنوك الفرنسية، ولم يتوقف الحال عند اليونان بل إن البرتغال دخلت نادي المديونية وقام الاتحاد الأوروبي "المغلوب على أمره" إلى خطة إنقاذ بنحو 220 مليار دولار لمساعدة أيرلندا والبرتغال.
ورغم هذا التدخل الكبير للاتحاد الأوروبي، إلا أن الظروف الاقتصادية العالمية والمستثمرين، لم يعطيا الاتحاد الأوروبي ما كان يأمله من نتائج لخطط الإنقاذ تلك، بل إن المخاوف انتقلت إلى دول أكبر اقتصاديا في مجموعة الـ 17 دولة أوروبية، لتشمل المخاوف إسبانيا ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا وإيطاليا رابع أكبر اقتصاد في أوروبا!!! لذلك قام الاتحاد الأوروبي بتأسيس صندوق الاستقرار المالي الأوروبي في شهر مايو 2010 ، ليكون الأداة الرئيسية في حل مشاكل الديون السيادية الأوربية، وبطريقة قد تكون أسهل نظريا، ونقول نظريا لأن الصندوق منذ تأسيسه يواجه تحديات متلاحقة سواء من داخل الدول أو بين الأعضاء تحت المظلة الأوروبية، إضافة إلى أن ظروف الاقتصاد العالمي لم تتحسن ولم تظهر هناك أي بوادر لاستعادة الثقة بالدول التي تمت مساعدتها، وتحديدا اليونان.
واليوم ، الحديث عن زيادة برنامج الاستقرار المالي الأوروبي يأتي بأرقام مختلفة من جهات مختلفة، فالأوروبيون أنفسهم منقسمون على دعم البرنامج إلى 440 مليار يورو، أي بزيادة الضعف تقريبا عن بداية البرنامج، وإن كانت ألمانيا هي الصوت الأهم في هذا السياق وهو ما حدث لاحقاً، كذلك هناك صوت صندوق النقد الدولي الذي يرى أن يتم رفع سقف البرنامج إلى تريليوني يورو!! يغلفه تلاسن علني بين أوروبا وأمريكا على كيفيه إدارة أزمة الديون، وبغض النظر عن الأرقام فإن التحدي الأكبر هو في استطاعة اليونان الوفاء بدفعتها المستحقة خلال شهر أكتوبر الحالي!!
هذه المقدمة، هي قراءة موجزة جداً للأحداث السابقة في التحدي الأوروبي، ومن وجهة نظري أن الأوروبيون لم يتعلموا الدرس الأمريكي خلال أزمة 2008 ، وهو أن محاولة الحلول قصيرة الأجل على أمل إعادة الثقة وعودة العجلة للدوران لا تجدي نفعا، وهو ما قامت به أمريكا منذ بداية الأزمة إلى يومنا هذا، ولم تفلح تلك الحلول المتلاحقة في حل أصل الأزمة، وإنما هي حلول مؤقتة على أمل التعافي للاقتصاد العالمي. وهو ما حدث فعلا في طريقة تعامل الاتحاد الأوروبي مع الأزمة مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاتحاد الأوروبي في تحدي المحافظة على منطقة اليورو بعد 10 سنوات فقط على إنشائها، وقد تكون هناك تحليلات عن مصالح لأطراف أخرى في تهديد الاتحاد الاقتصادي لأوروبا!! ولذلك فإن دعم برنامج الاستقرار المالي الأوروبي هو محاولة الرمق الأخير لأوروبا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي