اقتصاديات الحرب ومشاهد الدمار

<a href="mailto:[email protected]">albadr@albadr.ws</a>

لا شك أن الممارسات والفظائع التي يرتكبها العدوان الإسرائيلي على لبنان تسبب الألم والغضب, خصوصا نحن نحس بحجم العدوان على بلد شقيق يعتبر وجهة سياحية مفضلة للكثير. ودون الخوض في حديث سياسي عن الأسباب والعواقب، فإن مشاهد الدمار والخراب جعلت البعد الاقتصادي لهذه الحرب عاملا مستقبليا مهما, خصوصا أن هذه الحرب أتت في أوج أفضل موسم سياحي يشهده لبنان بحسب وزير السياحة اللبناني.
ولن أتحدث هنا عن تأثير هذه الحرب في الاقتصاد اللبناني أو عن الخسائر التي تركها وسيتركها هذا العدوان على لبنان, التي أرى أن ما بناه لبنان منذ اتفاق الطائف حيث انتهاء الحرب الأهلية, يبدو أنه خسره خلال أيام, خصوصا أن الحرب أثرت كثيراً في البنية التحتية للاقتصاد اللبناني, وأتمنى ألا يحتاج لبنان إلى 15 سنة أخرى لإعادة بناء لبنان من جديد.
أقول إن حديثي سيتركز على أحد مفاهيم الاقتصاد, وهو اقتصاد الحرب, وليس المعني هنا اقتصاد الإعداد للحرب والاقتصادات القائمة على تطوير آلة الحرب أو الاقتصادات التي يقودها جنرالات حرب، وهي على سبيل المثال لا الحصر، اقتصاد الحرب الألماني خلال الفترة الهتلرية، بل إن ما نقصده هنا في هذا الطرح هو الجزء الآخر من اقتصاد الحرب وهو عن ظهور مجموعة من التركيبات الاقتصادية التي تنشأ في فترات الحروب سواء الدولية أو الأهلية والصراعات، وهذه التركيبات الاقتصادية هي نتيجة غياب اقتصاد الأمن وغياب النظام وغالبا ما تستمر هذه الظاهرة فترة من الزمن بعد انتهاء الحروب.
والمقصود بهذه التركيبات الاقتصادية، هو العمليات الاقتصادية والتجارية التي تعتمد على غياب النظام أو التي يعاقبها قانون اقتصاد التنمية والسلام مثل الأموال التي تأتي من تجارة السلاح والتعاملات المرتبطة بالحروب كالاتجار في المواد الخام أو السلع الضرورية، استغلالا للظروف الصعبة التي تمر بها تلك الدول أو المناطق من الصراعات الدائرة, وكذلك حاجة الناس إلى موارد مالية اقتصادية تفي باحتياجات المرحلة بعد أن يكونوا قد خسروا أعمالهم أو وظائفهم جراء الحرب لينتهي المطاف باتساع رقعة التجارة غير القانونية أو غير الشرعية ابتداء من تجارة الرقيق والدعارة والمخدرات من الصناعات التي تعتبر نتيجة حتمية لتلك الحروب, وهو ما نقصده هنا في اقتصاديات الحرب.
والحديث هنا على أن اقتصاديات الحرب لا توجد فقط في الدول التي تعيش بالفعل نزاعات مسلحة بكل أشكالها، بل أيضا في المناطق المتوترة وغير المستقرة، ولنا في كثير من دول إفريقيا وأفغانستان أمثلة حية على نشوء اقتصاديات الحرب واستمرارها في المناطق التي لا تشهد حربا مباشرة ولكن تشهد عدم استقرار سياسي واجتماعي فترات طويلة, ما يجعل تركيز القوة القانونية للبلاد يركز على الحد من التهديدات الخارجية أو المحافظة على الأمن السياسي أكثر من الأمن الاجتماعي الاقتصادي مما يتسبب في غياب السلطة التنفيذية التجارية، ويقود إلى أن تصبح التجارة غير القانونية عاده يومية.
إن الحروب الطويلة في أي مكان في العالم وعدم استقرار الأوضاع، تترك آثارا واضحة في الحركة الاقتصادية، حيث لا تكتفي بتقليل أو إيقاف النمو الاقتصادي، بل تجعل العجلة الاقتصادية تتحرك في منحى آخر غير الاقتصاد العادي الذي يعمل من أجل التنمية، وبالتالي فإن هذا المنحنى الجديد يستمر في التأثير في جميع النواحي الديمقراطية والحياة السياسية والاجتماعية فترات طويلة تابعة لاقتصاديات الحرب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي