الأمن الغذائي الخليجي ومستقبله المنشود
قفزت أسعار الغذاء خلال السنوات الخمس الماضية بشكل لافت عالمياً، ولوحظ في منطقة الخليج ـــ على وجه التحديد ـــ ارتفاعاً في متوسط أسعار الغذاء خلال العقد الماضي بنحو 30 إلى 40 في المائة، ويبدو السبب الرئيس من وراء ذلك هو الارتفاع في إعداد سكان العالم بصورة متزايدة، والتغييرات المناخية المتتابعة التي تمر بها الأرض، إضافة إلى الكوارث الطبيعية الواقعة في الدول المصدرة للمواد الغذائية مثل دول شرقي آسيا، حيث اجتمعت هذه العوامل لتسبب نقصاً حاداً في المعروض من المواد الغذائية، فقاد بدوره إلى ارتفاع كبير في الأسعار.
ويختلف الوضع في دول مجلس التعاون، حيث يضاف إلى العوامل السابقة أن دول الخليج تستورد نحو 70 إلى 80 في المائة من احتياجاتها الغذائية من الخارج، وسبب في ذلك أنها شحيحة من حيث إنتاج المحاصيل الزراعية المختلفة لعوامل تتعلق بالطقس والأرض والمياه، وقد كانت تجربة السعودية لزراعة القمح والشعير في ثمانينيات القرن الماضي ناجحة، ولكن كان ذلك على حساب ثروة المياه الطبيعية، وحسب الدراسات التي نشرت حديثاً، يحتاج إنتاج طن واحد من الشعير لتغذية الثروة الحيوانية في السعودية إلى ما يقارب 1212 مترا مكعبا من المياه، والمملكة تستورد ما يقارب 7.5 مليون طن سنوياً من الشعير لتغذية الثروة الحيوانية، ولو تم إنتاج هذا القدر من الشعير في المملكة لتطلب الأمر إلى 9.1 مليار متر مكعب من الماء، ويعتبر هذا مقدارا كبيرا جداً من الماء لدول فقيرة من حيث مخزون المياه.
ويتزايد الطلب سنوياً في دول الخليج، ويعود ذلك إلى معدل النمو في عدد السكان بمعدل 3 في المائة على مستوى العالم ومتوسط النمو السكاني في العالم هو 1 في المائة تقريباً، وهناك عامل آخر يضغط على أسعار الغذاء ويقودها إلى الارتفاع، فكل دول الخليج مرتبطة بشكل أو بآخر بالدولار الأمريكي، والتضخم الذي يحدث في أمريكا يؤثر في أسعار الغذاء في دول الخليج العربي، بمعنى آخر إننا نعاني تضخما مستوردا كلما زاد ارتباط العملة بالدولار زاد من التضخم في أسعار الغذاء في دول الخليج.
وكانت من الحلول التي اتخذتها دول مجلس التعاون تجاه هذا التحدي هو التشجيع على الاستثمار في قطاع الزراعة خارج دول مجلس التعاون، وتصدير هذا الإنتاج داخل دول مجلس التعاون، وفعلاً كانت هناك مشاريع في هذا الإطار مثل تشجيع الاستثمار الدول العربية والإسلامية مثل مصر، والسودان، إندونيسيا... إلخ، ولكن مع ثورات الربيع العربي ما هو مستقبل هذه الاستثمارات؟، وهل سيقدم رجال الأعمال على مثل هذه الاستثمارات في المستقبل؟ أسئلة صعبة والإجابة عنها أصعب، ولكن الأمن الغذائي مهم جداً.
قد تستفيد دول مجلس التعاون من الإيرادات النفطية الهائلة من النفط، وستسجل فوائض عالية في الميزانيات، ويجب صرف جزء من هذه العوائد على أبحاث تحلية مياه البحر، والتقنيات الجديدة في الزراعة، والمحافظة على المياه، وكانت هناك تجربة جديدة وناجحة في الإمارات تبحث عن الدعم والتطوير تعتمد هذه التجربة على الزراعة بأقل كميات من المياه عن طريق مزارع مائية، هذه حلول مستقبلية، ومن الحلول الحالية التي يمكن العمل بها بعد دراسة التأثيرات الجانبية في باقي قطاعات الاقتصاد الوطني هي إعادة تقييم العملات مقابل الدولار، فدول الخليج عموماً تحتاج إلى ربط عملتها بسلة عملات متوازنة تجارياً، وفي المستقبل تعويم العملة الخليجية الموحدة التي ستستمد قوتها من الاقتصاد الخليجي القوي هذا الحل من ناحية النظام المالي، ومن الخطوات الاستراتيجية التي يمكن العمل بها، عمل مخزون احتياطي بكميات كبيرة من المواد الغذائية يساعد على استقرار الأسعار وعدم الاعتماد على تذبذب أسواق الغذاء العالمية التي تستمر في صعود لافت، وهناك مقترح آخر في تطوير الخطط الاستراتيجية للأمن الغذائي لدول مجلس التعاون يتمثل بعمل اتفاقات مع الدول المصدرة مثل إفريقيا وأوروبا وشرق آسيا، واختيار الدول المستقرة سياسياً والاستثمار في البنية التحتية الخاصة بالزراعة لهذه الدول على مساحات كبيرة سيعود على دول الخليج بالنفع الكبير، ويبث استقراراً مستقبلياً تطمح إليه في أسعار الغذاء من جهة، والحد من التضخم من جهة أخرى، فهل ستقدم على مثل هذه الحلول؟