أجفند.. محمد يونس ووزارة الشؤون الاجتماعية

البروفيسور محمد يونس أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة شيتاجونج إحدى الجامعات الكبرى في بنجلاديش، ومؤسس بنك جرامين Grameen Bank، وحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2006، في عام 1976 أسس ''المصرف العالمي من أجل الفقراء''، يونس أنموذج جديد من العمل المصرفي وذلك من خلال منح القروض لفقراء بلاده خاصة النساء دون ضمان، مؤسسا بذلك نظاما جديدا للقروض المتناهية الصغر. وهو ما يعرف ببنوك الفقراء.
الهدف الرئيس لبنوك الفقراء هو تنمية الاقتصاد الوطني من خلال المساهمة في إنجاح الاستراتيجية الوطنية للحد من الفقر والبطالة وزيادة الطبقة الوسطى في المجتمع وتحسين الظروف المعيشية لهذه الفئة من خلال الاستثمار في مشاريع مجدية متناهية الصغر من خلال منح القروض دون فوائد من أجل تشجيع المواطنين على الدخول في مشروعات مبتكرة وتعزيز الإنتاجية والمساهمة في توفير فرص عمل جديدة وتقليل مستوى البطالة وتشجيع الروح الريادية وثقافة الاعتماد على الذات من خلال توفير خدمات مالية مستدامة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تلبي احتياجات هذه الطبقة الفقيرة في المجتمع.
وبمبادرة من برنامج الخليج العربي للتنمية ــــ أجفند ــــ وبقيادة من الأمير طلال بن عبد العزيز رئيس أجفند أطلق عام 1997 مبادرة لتأسيس بنوك لفقراء في الوطن العربي إيمانا منه بضرورة إنشاء هذه البنوك نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها الوطن العربي وبفاعلية دور هذه البنوك للحد من الفقر عن طريق الخدمات المالية الشاملة (إقراض صغير ــــ ادخار ـــ تأمين) من أجل تحسين المستوى المعيشي لهذه الطبقة وتحويلها إلى طبقة منتجة في المجتمع معتمدة على نفسها ومساهمة في المجتمع من أجل تحقيق تنمية مستدامة.
بذل الأمير طلال جهودا من أجل تعاون الحكومات العربية والقطاع الخاص مع ''أجفند'' من أجل إنشاء هذه البنوك في الوطن العربي والتنسيق بين هذه البنوك والبنوك المركزية في تلك الدول ففي عام 2002 تأسس بنك الأمل للإقراض الأصغر في اليمن، وفي عام 2006 تم افتتاح البنك الوطني لتمويل المشاريع الصغيرة في الأردن، وفي عام 2009 تم تدشين بنك الإبداع للتمويل متناهي الصغر في البحرين، ثم بنك الإبداع للتمويل متناهي الصغر في سورية عام 2011، وبنك الإبداع للتمويل متناهي الصغر في سيراليون عام 2011، ومؤسسة الأمل في مصر والتي بدأت الإقراض في عام 2006، ويجري الآن التأسيس لخمسة بنوك ومؤسسات مالية في السودان ولبنان وفلسطين وموريتانيا وجيبوتي.
وقد حققت هذه البنوك العديد من الإنجازات الداخلية والأهداف التي أسست من أجلها ومن أبرزها: أن البنك الوطني لتمويل المشروعات الصغيرة في الأردن يحتل المرتبة الثالثة بين مؤسسات الإقراض في الأردن من حيث حجم المحفظة الإقراضية وعدد العملاء، على الرغم مـن عمـر البنـك القصيـر (ثلاث سنوات) مقارنةً بمؤسسات الإقراض العاملة في الأردن (10 إلى 12 سنة).
أما بنك الأمل لإقراض الصغير في اليمن فيسيطر على 35 في المائة من إجمالي المخدومين في سوق التمويل الأصغر في اليمن. وقد حقق أعلى نسبة نمو في عامي 2009 و2010 بين مؤسسات التمويل الأصغر في اليمن. وفاز البنك بجائزة ''الابتكار لعام 2010'' على المستوى العربي التي تمنحها مؤسسة جرامين جميل وشبكة التمويل الأصغر للبلدان العربية (سنابل). واختير كثاني مؤسسة عالمية تدعم الشباب في مؤتمر Make the cent الذي عقد في واشنطن في نهاية عام 2010. كما اختير بنك الأمل كأفضل مؤسسة في العالم في ابتكار المنتجات الإسلامية، وذلك في مسابقة التحدي الإسلامي 2010، ونال الجائزة الأولى من بين 130 بنكا ومؤسسة في العالم في أكثر من 43 دولة وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.
من جانب آخر حقق بنك الإبداع في البحرين إنجازاً كبيراً في تغيير ثقافة عدد من مؤسسات القطاع الخاص لتحويل أموال مسؤولياتهم الاجتماعية تجاه بنوك التمويل الأصغر، وذلك من خلال اللقاء مع صناع القرار في هذه المؤسسات وإقناعهم بفكرة البنك وفلسفته التنموية وعرض عددا من قصص النجاح لعملاء البنك، فاستطاع استقطاب عدد من المؤسسات وتدشين محافظ تمويلية لدعم عدد من مشاريع ذوي الدخل المحدود، مثل محفظة شركة الاتصالات ''بتلكو''، التي أسهمت في دعم 15 عائلة بحرينية.
وفي السعودية أصبح الإقراض متناهي الصغر حاجة ملحة وضرورة تفرضها الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع السعودي، وخاصة للطبقة المستفيدة من الضمان الاجتماعي والمسجلة في وزارة الشؤون الاجتماعية من أجل تحسين ظروفهم المعيشية، وتحويلهم إلى قوة منتجة تعتمد على ذاتها وتسهم في دعم مجتمعاتها بدلا من أن تكون عبئا على الدولة وأصبحت هذه الآلية الاقتصادية التنموية الفاعلة تشكل جزءاً مهما في اقتصادات كثيرة، وفرضت نفسها باعتبارها أحد الحلول الفعالة للحد من الفقر.. ولكن العالم اليوم أكثر حاجة للتوسع في تطبيق هذه الآلية، ليجني الفقراء ثمرات الإقراض متناهي الصغر.
يستهدف مبدأ الإقراض متناهي الصغر الذين تضيق أمامهم ـــ بل تنعدم ــــ فرص الاقتراض من البنوك العادية بسبب الضمانات التي تطلبها، وهؤلاء ــــ أفراداً وجماعات ــــ يحتاجون إلى من يمدهم بالمهارة والمال للبدء في مشروع إنتاجي يدر الدخل لكي يساهموا في تحريك مجتمعهم المحلي وتنميته. ولذلك فالحاجة تدعو لقيام مؤسسات تقرض هذه الشريحة وتمول مشاريعهم. لا شك أن الخدمات غير المالية تشكل أهمية قصوى للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التي تستهدف شريحة الفقراء، إلا أن موضوع التمويل يعني حجر الزاوية في دعم تلك المشروعات.
وإعلان مصلحة الزكاة والدخل عن إيرادات العام المالي 1431/1432هـ 2010 التي بلغت نحو 15.7 مليار ريال بزيادة بنسبة 11 في المائة مقارنة بالعام الماضي من بينها 8.8 مليار ريال إيرادات زكوية و6.9 مليار ريال إيرادات الضرائب على الشركات الأجنبية وتحويل الإيرادات المحصلة للصرف على مستحقات الضمان الاجتماعي عن طريق وكالة الضمان الاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية.
لذا يجب أن تستفيد الوزارة من تجربة ''أجفند'' عن طريق تحويل جزء من هذا المبلغ إلى ''أجفند'' ومؤسسة النقد السعودي لتأسيس بنك يهدف إلى إقراض المستفيدين من الضمان الاجتماعي لكي يتمكنوا من تمويل مشاريع قد تغنيهم عن هذا المبلغ الشهري المقطوع الذي قد يكون يوما ما عبئا على كاهل الوزارة وبذلك يتحولون إلى منتجين في المجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي