هل يمكن ضخ «السعودة» عبر محطات الوقود؟

محطات تعبئة الوقود، أو ما تشتهر به عندنا وفي دول المجلس باسم محطات البنزين، أو ''شيشة البترول''، هي مرفق مهم لكل سائقي السيارات، يتوقفون عندها بواقع مرة في اليوم على غالب الأحوال، تستحق أن نتوقف عندها هذا اليوم لا بصفة طالبي وقود لسياراتنا المختلفة من فارهة حديثة، أو قديمة بطيئة!، وإنما بصفة مراقبين متسائلين، محللين مدققين.
من ناحيتي، لن أتكلم عن مستوى محطات البنزين في المملكة من حيث العناية والاهتمام والنظام، فهي معروفة باعتبارها لا ترضي أحدًا سواء كان المواطن أم المستثمر، ولا سيما عند مقارنة أنفسنا بمن حولنا من دول المجلس، وإنما سأتكلم عن دورها في عملية توظيف السعوديين، وإمكانياتها لدفع السعودة خطوة مهمة نحتاج إليها، ونحن نبحث عن خطوات نوعية جديدة ومتقدمة.
لقد حاولت الحصول على رقم دقيق يحصي أعداد محطات الوقود، لكن مع الأسف!، لم أجد رقمًا دقيقًا لذلك، وإنما أقرب رقم يمكن الحصول عليه هو: نحو أكثر من عشرة آلاف محطة، ويوجد متوسط عمال عدد أربعة إلى ثمانية في كل محطة منها ـــ على حسب حجم المحطة ـــ، وتصرف محطة البنزين الواحدة رواتب بنحو ثمانية آلاف ريال سعودي على أقل تقدير إذا حسبنا أن متوسط راتب العامل الواحد يعادل نحو ألفي ريال شهريًّا ـــ ولم تدخل تكلفة العامل من تذاكر سفر وإقامة وغيرها.
المهم أن كل من سافر إلى دول العالم الأول ـــ كما يسمونه ـــ يعلم أن أغلب محطات الوقود تكون بطريقة الخدمة الذاتية ''اخدم نفسك بنفسك! help your self''، أما نحن فيختلف الوضع معنا كوننا نريد أن يخدمنا الجميع في كل شيء، ففي البيت يجب أن تكون لدينا خادمة وسائق، وفي المكتب والمرافق المختلفة خدم من نوع آخر، إلى أن نصل إلى مرحلة طلب من يملأ سيارتنا بالوقود، وهكذا نريد ونريد، وبهذه التربية والطريقة تعودنا الاتكالية وعدم تحمل المسؤولية، وهذا القدر يتفق معه الصغير والكبير حتى أصبح يؤرقه، ويقض مضجعه باحثًا عن حل يوقف زحفه، ويقلل أخطاره.
وبعملية حسابية بسيطة لضرب ثمانية آلاف ريال شهريًّا في مصروفات الرواتب في محطة واحدة نضربها في عشرة آلاف محطة في المملكة لنصل إلى تسع مائة وستين مليون ريال تصرف للأجانب كل سنة، ولو افترضنا أن العمال يرسلون فقط 50 في المائة من هذا المبلغ إلى أسرهم خارج المملكة، فهذا يعني أننا نستنزف نحو 480 مليون سنويًّا من الاقتصاد الوطني، ولا سيما أن محطات الوقود تحتوي ما لا يقل عن 40 ألف موظف كلهم من الجنسيات الأجنبية.
إذن أصبح عرضي لهذا الموضوع واضحًا، فماذا لو استغنينا عن الموظفين الأجانب وأبدلناهم بأبناء الوطن وجعلنا لهم رواتب مجزية تراوح بين خمسة إلى ثمانية آلاف ريال؟، ونكون بهذا قد وظفنا أبناء البلد، وقللنا العمالة الأجنبية وأخطارها، وحمينا الاقتصاد الوطني من هذا النزيف من الحوالات المليونية من للموظفين الأجانب سنويًّا؟
ولكي يتم تطبيق هذه الآلية: أولًا: يجب تحويل محطات البنزين إلى شركات متخصصة، ورفع مستوى هذه المحطات، والخروج من الإدارة الفردية، وأن تكون لدينا من ثلاث إلى خمس شركات وقود تدير وتشغل جميع المحطات في المملكة، وتكون جميع هذه الشركات مدرجة في سوق الأسهم السعودية، لنضمن أقل مستوى من الشفافية، وكذلك لا نحرم الملاك الحاليين أو أصحاب المحطات من خير هذه المحطات، ثانيًا: التحول إلى الخدمات الذاتية عكس ما هو عليه الحال اليوم، ثالثًا: إضافة من اثنين إلى خمس هللات كحد أعلى على لتر البنزين كما هو معمول به اليوم للمحطات الموجودة على الطرقات ليتم صرف هذه الإضافة للموظفين السعوديين.
أجزم أن الطريق سهل لمن أراد التغيير، والحصول على محطات راقية وسعودية 100 في المائة لا يحتاج من الوقت أكثر من سنتين على أقصى حد، ولكن نحتاج إلى تعاون الجميع للوصول إلى هدف الجميع وهو خدمة الوطن والمواطن.
أرجو أن أكون بهذا المقال ممن قَدَّموا لبنة في طريق البناء الشامخ للسعودة، وإلى لقاء آخر في لبنة جديدة ـــ إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي