من رأى «المراقبين» الذين تستشهد بهم الفضائيات
للوهلة الأولى التي تلي العبارة الشهيرة في النشرات الإخبارية ''ويؤكد مراقبون وخبراء''، ستتخيل أن هناك من هم في غرفة عمليات مستنفرة تشبه تلك التي يدار بها ''غرندايزر''.. وأن عددا من الأشخاص ذوي الملامح المتجهمة غالباً يتابعون أحداث العالم لحظة بلحظة ويعلقون عليها أولا بأول بمجرد حدوثها، قد يخطر في بالك أنهم كائنات أسطورية بلا أسماء ولا ملامح وبقدرة عالية على التفكير الناقد والتحليل الاستراتيجي، وسيساورك الشك لبعض الوقت من هم هؤلاء المراقبون بالضبط؟ وما مواقفهم؟ ولماذا يتم تقديم هؤلاء المجهولين على أنهم أصحاب القول الفصل في كل قضية.
المراقب هنا ليس من النوع الذي يموت هماً في ذمة الثقافة العربية، ولكنه ذلك الشخص الذي لا يراه أحد ويقول أكثر الجمل أهمية في الخبر الصحفي أو التلفزيوني، وفي عصر التوسع الفضائي والإعلامي وكثرة القنوات المؤدلجة والموجهة، أصبح هذا الشخص عنصرا رئيسياً متعدد الأذواق ''المراقبية'' بحسب تنوع الأجندة التي تقدمها القنوات، وبات كذلك الشخص الذي تمرر من خلاله آراء المعدين وملاك الوسيلة الإعلامية لتأتي تصريحاته هذه المرة مفصلة وفقاً لولاءاتها وانتماءاتها، ولكن مع الحفاظ على القناع المهني المفترض على وجه الخبر أو التغطية الحدثية.
الشكل العام لهذا الأسلوب يحمل بعداً مهنيا، فالمادة الصحفية التي يتم دعمها برأي ''مراقب أو خبير '' متخصص يتمتع بالموضوعية ويضيف لها آفاقا جديدة، تكون مادة أكثر إقناعاً في العرف الإعلامي، وهو أسلوب معمول به في الوسائل الإعلامية المحترفة التي يمكن التحقق من جميع مصادرها ومراقبيها بل ومقاضاتها في حال تم التأكد من عدم المصداقية في هذا الشأن، أما في الإعلام العربي على وجه التحديد، فليس ثمة طريقة للتأكد من شخصية ''المراقب'' أو دقة ما يقوله هذا فيما لو فرضنا وجوده بالطبع.
صفة خبير، امتهنتها كثير من القنوات الفضائية والاذاعية، لدرجة أنها أصبحت ملازمة لضيوف معروفين بأشكالهم وأسمائهم رغم أنهم ليسوا من أصحاب الفكر العميق، ولكن بعض القنوات أطلقت تلك الصفة عليهم لتسويق أفكارهم ولتطابق أجندتهم مع أجندة القناة!
مراقبو الإعلام العربي لا يقدمون إحصائية أو معلومة علمية لكن حديثهم غالباَ ينحصر في تفسير دوافع ظاهرة ما دون منهجية محددة في ذلك، أو التقليل من أهمية أمرٍ ما دون تبرير واضح لذلك، وفي بعض الحالات التي يسيء فيها محرر الخبر استخدام هذه الشخصية الافتراضية يكون تعليق ''المراقبين'' رأياً محضاً قد لا ينقصه الاحتقان والانفعالية في توجيه النقد أو اللوم أو تمرير المواقف الخاصة بنبرة إنشائية لا علاقة لها بالنسيج الموضوعي المتعارف عليه في المادة الخبرية.
من جهته أوضح المدرب الإعلامي والمذيع في التلفزيون السعودي عبد الله الشهري أن حضور المراقب هو جزء مهم من تحرير الخبر الصحافي، قائلا: عندما يستشهد مراسل ميداني أو محرر من صالة التحرير بمصطلح (مراقبين) للتركيز على جزء من قصة إخبارية والاستشهاد به، فإنه قد يكون هؤلاء المراقبون المستشهد بهم لا وجود لهم إلا في خيال الصحافي، وقد يكونون حقيقة واقعة أيضا لخبراء لهم باعهم الطويل في الدراسات والتحليل.
ويضيف الشهري: ذكر هؤلاء المراقبين في الخبر الصحافي يأتي مهما في سياق دعم مضمون الخبر والاستشهاد بصحته وحشد المزيد من المصداقية للرسالة التي يتضمنها. وبين الشهري أن كلمة خبير أصبحنا نشاهدها في وسائل الإعلام بكثرة حتى أن وزن هذه الكلمة بدأ يفقد قيمته لامتهانه من قبل بعض الإذاعات والقنوات. فهذه الصفة سيتم إطلاقها عليك لمجرد توافق وجهات نظرك مع وجهة نظر القناة.
أخيراً، وفي الأسبوع الماضي تحديدا.. سجل استخدام مفردة ''المراقبين'' تحوّلا نوعياً في أحد البرامج الإخبارية العربية، فبعد أن تعوّد المشاهدون استخدامها كتصريح ختامي متماسك في نهاية الخبر، اختلف الأمر هذه المرة.. كان الخبر حزيناً ويتعلق بحادث إرهابي.. وقام المذيع بقراءة المادة الإعلامية المواكبة له، وحين جاء دور الاستشهاد بالشخصيات الأسطورية النبيلة إياها.. قال المذيع ''يمسح المراقبون دموعهم ويبتلعون غصتهم .. ثم يقولون:... ''ليس إلى هذا الحد يا رجل!