إساءة فهم العفوية في تقديم البرامج تجر المذيعين الجدد للإسفاف

إساءة فهم العفوية في تقديم البرامج تجر المذيعين الجدد للإسفاف

نتفق على أن الجمود في أنماط التقديم الإذاعي والتلفزيوني واستخدام المفردات المتقعرة لغويا والوصول حد الصلابة في نطقها دون أي روح مرحة بات مرفوضا وغير مقبول من المتلقين.
ففي وقت مضى كانت كاريزما مقدم البرامج ومذيع النشرات الإخبارية محصورة في شخصية واحدة، طابعها الصرامة والجدية، أدواتها لغوية متعمقة، تخلو من أي ابتسامة أو مرح، ومضى هذا النمط فترات طويلة حتى بات مشهد مقدم البرامج وقارئ النشرات منفرا لكثير من المشاهدين والمستمعين، فهربوا من الاستماع إليه، بحثا عن بديل آخر يرونه كثيرا في الفضائيات الأجنبية.
انطلاقا من تلك الخلفية نشأ جيل كامل من مقدمي البرامج ومذيعي النشرات الإخبارية الجدد يبحثون عن مهرب لهم من ذلك الانطباع ومن تلك الشخصية، إذ إنهم ينتسبون إلى عصر إعلامي متغير يحمل سمات تختلف عن سابقيهم، فكانت أول مفردة يشملها التغيير هي شخصية الظهور ممثلة في البعد عن الرسمية وتقمص ''العفوية''.
وفي ظل غياب التأهيل والتدريب المهني للكوادر الشابة التي تعمل في حقل تقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وفي ظل العدد الضخم من القنوات الفضائية والإذاعات حديثة الافتتاح، فإن ظهور مقدمي البرامج الجدد بات مشوبا بـ''العفوية المغلوطة''.
العفوية بمفهومها العام تعني البعد عن التكلف والتصنع في النطق والمعنى، وإيجاد أبسط العبارات التي تشرح الفكرة بقالب مبسط بعيد عن الجمود، ولكن العفوية أسيء فهمها من قبل البعض، فحل الإسفاف والابتذال محلها، وهذا التجاوز بات ملحوظا في كثير من البرامج خاصة الإذاعية من المقدمين الجدد، وتحديدا تلك البرامج التي تحتوي على حوارات بين أطراف مختلفة داخل الاستديو. فأخذ الإسفاف أشكالا متنوعة في تعبيرات بعض مقدمي البرامج الجدد، فأحدهم يقدم برنامجا مسائيا ويقدم قراءات لتوقعاته حول هيئة وهندام الشخص من اسمه فقط، فإذا به يصنف جميع الأسماء التقليدية وذكر منها أسماء دارجة بيننا بشكل كبير بأن أصحابها ''قرويون'' و''فقيرون'' و''ربما لديهم مشكلات نفسية''، أما الأسماء الحديثة فبزعمه أن أصحابها ''متحضرون'' و''عيال نعمة'' وليس لديهم أي مشكلات!!
مقدم برامج آخر في إحدى إذاعات الـ''إف إم'' يعدد الأشياء الجميلة فإذا به وبسقطة كبرى يقول للمستمعين وبضحكة مجلجلة ''لا شيء ألذ من السيجارة بعد الإفطار''!! أي وعي نراهن عليه لدى بعض المقدمين، وهم بهذا السوء في انتقاء المعاني وإساءة التعبير!!
نموذج ثالث وهو أيضا في إحدى إذاعات الـ''إف إم'' يتحاور مع زميله فإذا بأحدهم يناكف الآخر حول ممازحة سمجة، فقال له الأول: ''سأقوم برجفك'' أي سأركلك بقدمي!! نعم قالها، وهو على الهواء مباشرة على مسمع المتلقين وشهادتهم.
اللافت في الأمر أن الأسماء ذاتها والعبارات نفسها ما زالت تمر على أسماعنا أما من غير اللافت أن إدارات تلك الإذاعات لم تعمل على الارتقاء بمفردات وتقويم سلوك بعض مقدميها الجدد.

الأكثر قراءة