معضلة الإدارة في هيئة المهندسين
يبدو أن أخي المهندس عدنان الصحاف كان في فمه ماء عندما قال ما قال في مقاله الذي نشره في هذه الجريدة قبل يومين تحت عنوان "هل اللجان التنفيذية بديل عن مجلس الإدارة؟"، خاصة وهو قد تبنى تعميم الحديث عوضا عن تخصيصه عن حالة الهيئة السعودية للمهندسين التي تمثل حالة صارخة لما وصفه من خلل في هيكلها الإداري، وهو ما رأى فيه الكثيرون، وأنا منهم، أحد أسباب تعثر الهيئة في تحقيق الآمال والتطلعات المعقودة بها، حتى وهي تملك مجلس إدارة يضم نخبة من الكفاءات البارزة، وحتى مع كل ما حققه هذا المجلس من اختراقات مهمة في هذه الدورة التي تختم أعمالها في يوم نشر هذا المقال نفسه. ولأن الهيئة تشهد اليوم اجتماع جمعيتها العمومية الذي سيعلن بدء أعمال دورة جديدة لمجلس إدارتها، وهو المجلس الذي تم تشكيله عبر الانتخابات التي نظمتها الهيئة قبل نحو شهرين، فإنني أكتب هذا المقال لأفصح عن مكنونات ما بين سطور مقال الصحاف، عسى أن يرى فيه مجلس الإدارة الجديد دافعا لتصحيح هذا الخلل في تشكيل الهيئة الإداري، والذي أرجو أن تكون أولى خطواته إلغاء اللجنة التنفيذية التي تمثل أحد أهم عناصر الخلل في رأيي المتواضع.
حديث المهندس عدنان في مقاله جاء كما قلت معمما ومبطنا في الحديث عن التعارض في الصلاحيات في مستويات الإدارة في الهيئة السعودية للمهندسين، فتشكيل الهيئة الإداري يتضمن مجلس إدارة ينتخبه أعضاء الجمعية العمومية كل ثلاث سنوات، ولجنة تنفيذية من ثلاثة من أعضاء مجلس الإدارة يختارهم أعضاء المجلس، وأمانة عامة تقوم بمهام الإدارة التنفيذية للهيئة. والحقيقة أن نظام الهيئة الأساسي نص صراحة على اثنين من هذه المستويات الإدارية الثلاثة، وهما مجلس الإدارة والأمانة العامة، في الوقت الذي جاء فيه إقرار تشكيل اللجنة التنفيذية بمبادرة من أحد مجالس إدارة الهيئة السابقة، وهو بذلك لا يكتسب صفة الشرعية التي يتمتع بها المستويان الأصليان، حتى ولو تم إقراره من الجمعية العمومية في استفتاء مبتسر لا يمكن اعتباره معبرا عن وجهة نظر أعضاء الجمعية بالنظر إلى نسبة الحضور البائسة التي تشهدها اجتماعات الجمعية العمومية السنوية. أنا لا أريد هنا أن أوحي بأي شكل من الأشكال بأن تشكيل اللجنة التنفيذية من قبل مجلس الإدارة ذاك كان بالضرورة وسيلة للسيطرة على سلطات المجلس وصلاحياته، بالرغم من أنه أفرز حالة من حالات التفرد في اتخاذ القرارات المتعلقة بالهيئة بعيدا عن مجلس الإدارة، وهو ما نص عليه تقرير اللجنة التي شكلها أعضاء الجمعية العمومية للهيئة في اجتماعها الخامس قبل نحو ثلاث سنوات لمراجعة حسابات الهيئة الختامية في ذلك العام. ومع أن هذا التفرد ينبغي ألا يفسر بالضرورة على أنه أتى بسوء نية من أعضاء ذلك المجلس، إلا أن هذا الواقع يشكل خرقا واضحا لصلب العملية الديمقراطية التي بني عليها نظام الهيئة الأساسي، التي رأت فيها الدولة كيانا أهلا بهذه الممارسة بالنظر إلى أنها تضم إحدى نخب المجتمع الفكرية والمهنية. وفي النتيجة، أصبحت اللجنة التنفيذية وسيطا معطلا في العلاقة الإدارية بين الجمعية العمومية ومجلس الإدارة والأمانة العامة، فهي تتخذ القرارات نيابة عن المجلس، حتى وهي تمررها على أعضائه لاعتمادها وإكسابها صفة الشرعية، وهي كذلك تحد من صلاحية الأمانة العامة في القيام بمهامها التنفيذية. المشكلة أن هذه اللجنة التنفيذية تضم أعضاء لا يلزمهم التفرغ، وهم مع كل ما يبذلونه من جهود مقدرة لا يملكون القدرة ولا الوقت ولا الطاقة لمتابعة كل شؤون الهيئة وملفاتها العويصة. وفي النتيجة، فإن كفاءة الأداء تصبح معقودة بكفاءة أعضاء هذه اللجنة ومقدار ما يمكن لهم أن يمنحوه من وقت وجهد في خضم مشاغلهم ومسؤولياتهم الأصلية الأخرى في أماكن عملهم. والمشكلة أيضا أن أعضاء اللجنة يقومون بكل هذه الجهود دون أي مقابل مادي، فهم في كل الأحوال متطوعون لا يمكن أن نقدم لهم إلا الشكر والعرفان على ما يبذلونه من جهود. ولكن هذا الواقع لا يسمح بمحاسبة أعضاء هذه اللجنة عن أي تقصير محتمل في الأداء، وهو ما يجعل مصير الهيئة ومصير تطلعات منسوبيها معلقا بقدرة أعضاء هذه اللجنة وما يمكن لهم أن يمنحوه من وقت. إن هذا الواقع لا يمكن أن يؤدي إلى النهوض بالهيئة وتحقيق تطلعات منسوبيها، بل وقبل ذلك تطلعات القيادة والوطن في أن تقوم بالدور المأمول منها في إدارة منظومة التنمية والارتقاء بجودتها وكفاءتها، وهو ما يتطلب معالجة حاسمة وفاعلة، وبالذات في هذا التوقيت الذي يشهد انطلاقة دورة جديدة من أعمال مجلس إدارة الهيئة.
إذن أوجه الدعوة خالصة لمجلس إدارة الهيئة الجديد، أن يبدأ دورته الجديدة بمبادرة يعلن فيها إلغاء اللجنة التنفيذية من هيكل الهيئة الإداري، وأن يحيل الاختصاصات الإدارية لأجهزة الهيئة التي نص النظام الأساسي على تشكيلها، فيقوم مجلس الإدارة بدوره في صياغة الاستراتيجيات والخطط ومتابعة تنفيذها وغير ذلك مما نص عليه النظام، وتقوم الأمانة العامة بدورها التنفيذي الذي يحدده النظام كذلك. وفي الحقيقة، فإن الوقت ربما لا يكون أكثر ملاءمة منه لإعلان هذا القرار. راجيا لهم وللهيئة التوفيق.