الوكالات الشرعية.. أكملوا ما بدأتم
سبق أن تناولت في مقال نشرته ''الاقتصادية'' قبل عام تقريبا بعض أوجه للمعاناة التي يواجهها المواطن فيما يتعلق بالوكالات الشرعية، والجهود التي تبذلها وزارة العدل في التيسير على الناس (رجالا ونساء) في الحصول عليها. من بين تلك الجهود أن وضعت الوزارة نماذج موحدة للوكالات تم حفظها على أجهزة الحاسوب، بحيث لا يستغرق إصدار الوكالة سوى دقائق معدودة بما في ذلك تسجيل بيانات الموكل والوكيل. وهناك مزايا أخرى لذلك التنظيم، من بينها وضوح نصوص الوكالات ودقتها مقارنة بما كان عليه العمل في الماضي، عندما كانت تكتب يدويا، من حروف متداخلة وشطب وتعديل. كما أن الحفظ الآلي للوكالات جعل الرجوع إلى سجلاتها مهمة سهلة وآمنة.
لكن تبقت قضية مدة سريان الوكالة مصدر معاناة للناس. إذ على الرغم من أن وزارة العدل، تسهيلا على الناس، جعلت مفعول الوكالة ساريا ما لم تُحدد مدتها أو تفسخ من أحد الطرفين أو يموت أحدهما أو ينتهي العمل الموكل فيها، تُلقي كثير من الجهات الحكومية والمصارف وغيرها بتلك الميزة أو المرونة جانبا، وتصر على عدم قبول الوكالة بعد انقضاء عام، وفي بعض الأحيان خمسة أعوام كحد أقصى، على صدورها. وكنت قد كتبت أكثر من مرة عن تلك المعاناة أدعو فيها إلى معالجة المشكلة بإلزام الجميع عدم اشتراط مدة معينة لصلاحية الوكالة المقبولة طالما أن مفعولها ما زال ساريا.
ثم عاودت الكتابة عن الموضوع نفسه في شهر شوال من العام الماضي بمناسبة ما أعلنته وزارة العدل عن خدمة إلكترونية جديدة للجمهور أُطلق عليها اسم ''تحقق''، وذلك في إطار منجزات القسم التقني لمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء. إذ أصبح بالإمكان لأي جهة كانت عامة أو خاصة، أو فردا، من خلال الإنترنت، التحقق من صحة الوكالة الشرعية ونوعها، وكل ما يتعلق بها من معلومات وسريان مفعولها. وأشدت بتلك الآلية الجديدة من التعامل مع الوكالات لما تحققه من تيسير على الناس وتخفيف معاناتهم، علاوة على أن توظيف التقنية في التأكد من سلامة الوكالة فيه حماية للمال والممتلكات كما أنه يختصر الوقت اللازم لإنجاز المعاملات ويرفع مستوى الثقة بالإجراءات ما ينعكس إيجابا في محصلته النهائية على الحركة الاقتصادية وإنتاجية المجتمع.
لكن على الرغم من مضي أكثر من ستة أشهر على إطلاق تلك الخدمة، دُهشت أن أجد قطاعات خدمية مهمة لم تُبلغ بها حتى الآن بشكل رسمي، بل إن بعضا من تلك المؤسسات وبالذات المصرفية والمالية لم يسمع ببرنامج ''تحقق'' رغم تعاملهم المكثف مع الوكالات، إذ ما زالوا يطالبون العميل بتجديد الوكالة وإن كانت في نظر الجهة المصدرة لها وهي وزارة العدل تعد سارية المفعول. وحجتهم في ذلك هي كثرة المشكلات التي تورطوا فيها مع بعض العملاء بسبب الوكالات، وغياب تعميم رسمي من وزارة العدل يمكن الاستناد إليه في استخدام الآلية الجديدة التي أسستها الوزارة.
اليوم أجدها فرصة مناسبة كي أعاود التذكير بتلك القضية مرة أخرى وأقول إن التيسير على الناس لا شك أنه من أهم أهداف مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، وذلك يتطلب بالضرورة أن يلمس الجميع بشكل مباشر، عند متابعة معاملاتهم والركض وراء مصالحهم، مزايا ما يتم إنجازه من خطوات ضمن ذلك المشروع.
وإذ أصبح الآن برنامج ''تحقق'' واقعا مشاهدا وفي متناول الملأ يمكن من خلاله لأي كان التحقق من سلامة الوكالة وسريان مفعولها، فإنني أدعو وزارة العدل إلى التعميم بشكل رسمي، وليس عبر وسائل الإعلام فحسب، على جميع الجهات الحكومية والخاصة لاستخدام قاعدة المعلومات التي يوفرها ذلك البرنامج عن الوكالات وعدم مطالبة أصحابها بتجديدها متى ما كانت صلاحيتها قائمة وفقا للبرنامج.