قضية طياري «الخطوط السعودية»
يتطلب هذا المقال إدراج التاريخ كعامل من ضمن العوامل التي أدت إلى الخلل في إدارة الأطقم الجوية الذي تعانيه ''الخطوط السعودية'' اليوم. ''الخطوط'' لم تكن يوما تعمل ضمن خطط مستقبلية لأنها ببساطة غير قادرة على تنفيذ أي خطط مستدامة، كونها مؤسسة حكومية تعتمد على إجراءات كبرى في الدولة لشراء موجة جديدة من الطائرات وما يترتب على ذلك من تهيئة متوازية للقوى البشرية ومنها الطيارون. في الثمانينيات أنشأت ''الخطوط'' أكاديمية طيران للتدريب الأولي والتأسيسي في رابغ (برنامج الطيار الخاص وبرنامج الطيار التجاري)، واشترت لها عددا من طائرات التدريب الصغيرة، لم تستمر هذه الأكاديمية طويلا حيث أقفلت بعد تخريج دورتين (أو ثلاث) فقط وركنت تلك الطائرات شبه الجديدة جانبا، ومنذ ذلك التاريخ لا تزال الرمال تغطي تلك الطائرات في مطار جدة. أقفلت الخطوط الأكاديمية لأنها رأت في ذلك جدوى عملية واقتصادية (وأغفلت الجدوى الاستراتيجية)، حيث شهدت تلك الفترة كثرة الطلاب الذين يدرسون الطيران على حسابهم الخاص في الخارج، خاصة أمريكا، ثم يعودون إلى ''الخطوط'' التي رأت فيهم حلولا جاهزة وتوفيرا للتدريب الأولي والتأسيسي الذي تصرف عليه في أكاديمية رابغ. ثم بدأت في التسعينيات موجة الكساد والتشبع بمخرجات التعليم والتدريب، مع بقاء ''الخطوط'' على عدد طائرات أسطولها نفسه وتراكم أعداد الطيارين العاطلين، وكان سعيد الحظ من يأتي بأمر اعتمدوا أو من له قريب نافذ في ''الخطوط السعودية''، حتى أصبحت وظائف ''الخطوط السعودية'' حكرا على ذوي كبار المديرين فيها إلى أن وصلنا إلى مرحلة الفجأة في زيادة أعداد الطائرات اليوم. مرحلة الفجأة هذي تزامنت مع انحسار الرغبة في دراسة الطيران، حتى على المستوى العالمي، بسبب أحداث سبتمبر وتبعاتها وتضييق الخناق على العرب والسعوديين بشكل خاص، كما تزامنت مع الطفرة الثانية وفيها وجدت مخرجات التعليم العام فرصا تراها أفضل من مهنة الطيران. واليوم أصبحت ''الخطوط'' أكثر مرونة من ذي قبل وكبرت دائرة صلاحياتها التي مكنتها من اتخاذ قرارات سريعة منها زيادة حجم أسطولها الذي من المتوقع أن يصل تعداده إلى 150 طائرة بحلول عام 2015، ما يعني الحاجة إلى استقطاب ألف طيار للإحلال ولمواكبة التوسع. ونظرا لبطء ''الخطوط'' في جميع أعمالها ومنها تهيئة الطيارين، تفاقمت هذه المشكلة التي وصلت إلى إلغاء بعض الرحلات بسبب نقص الأطقم، ونتمنى ألا تتطور من التأثير في الجاهزية إلى التأثير في السلامة.