أساسيات في نظام هيئة المنشآت الصغيرة
أسعدني كثيراً الثناء العاطر الذي عبر عنه عدد من رجال الأعمال والمستثمرين الكويتيين في الاجتماع الذي حضره وزير التخطيط والتنمية في الكويت الشقيقة. ذلك الثناء الذي تركز على جهود المملكة في التوجه نحو رعاية المنشآت الصغيرة، وفي الوقت ذاته قدرتها على استقطاب الاستثمارات الأجنبية الكبيرة خلال وقت زمني قصير، حتى إن الكويت ذاتها أصبحت ثاني أكبر دولة مستثمرة في السوق السعودية. هذا الإطراء الصادق يعكس الصورة الذهنية الإيجابية للتحسن الكبير في المناخ الاستثماري في السعودية.
أما توجه السعودية نحو دعم وإنماء المنشآت الصغيرة فقد تمثل حالياً في التحرك الوطني الكبير خلال السنوات الأربع الماضية نحو ريادة الأعمال، وتنمية المنشآت الصغيرة، ودعم المشروعات الناشئة، وتحفيز الابتكار، ورعاية المبدعين والموهوبين، وتتويجاً لهذا الحراك فإنه تدور الآن في أروقة مجلس الشورى التنظيمات الجديدة الخاصة بإنشاء هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي نأمل أن نسبق في إنشائها جميع الدول العربية المجاورة لنؤكد ريادتنا في هذا المجال ولحاقنا الجاد بركب الدول المتقدمة ذات التجارب الرائدة في إيجاد وإنشاء هذه المرجعية التنظيمية المهمة.
في ظني أن طموحنا الكبير إلى سرعة الإنشاء لا يقل عنه أهمية طموحنا الأكبر في أن يتضمن النظام المرتقب لهذه الهيئة، المتطلبات الأساسية التي تعين على نجاحها وأداء أدوارها ومهامها بكفاءة. وأشير في هذا المقال العابر إلى أهم تلك الأساسيات التي تغفل عنها أحياناً أنظمتنا ولوائحنا التأسيسية. فالنظام المزمع إصداره من المهم أن يتضمن حوافز ومزايا حكومية مساندة لنجاح الهيئة. منها أن يتم تخصيص نسبة لا تقل عن 10 في المائة من مناقصات الوزارات والجهات الحكومية للمشروعات الصغيرة، وفي الوقت ذاته إجبار الشركات الكبرى المتعاملة مع الجهات الحكومية على تطبيق التكاملية مع المنشآت الصغيرة، تلك التكاملية التي تتيح لهم تقديم الخدمات المساندة أو الإمداد، أو التصنيع الجزئي، أو الخدمة المرحلية لإحدى مراحل المشروع الكبير. ويحضرني في هذا الصدد تلك النصيحة التي أسداها كينيث موريس مؤسس مركز ريادة الأعمال في جامعة هارفارد عندما قال مخاطباً صناع القرار: ''إن أردتم نجاح رواد الأعمال في السعودية فاشتروا منهم''، فأهم دعم مباشر لأصحاب المشروعات الصغيرة أن يتوافر لهم عملاء يشترون منهم. وليس أحق من أن تتاح لهم الفرصة للتقدم للمناقصات الحكومية التي استفاد منها الكبار فقط، وذلك ـ مع الأسف - بحكم النظام. وفي الواقع فقد سبقتنا بعض الدول إلى تقديم ما هو أكثر من ذلك، فأمريكا على سبيل المثال أصدرت قانوناً فيدرالياً يقضي بأن يقتصر إسناد المناقصات الحكومية الخاصة بالأثاث والتجهيزات المكتبية التي تقل عن 100 ألف دولار على المنشآت الصغيرة فقط.
ومن الحوافز أيضاً أن يتضمن النظام برنامجاً لدعم الصادرات الناشئة من المنشآت الصغيرة، وذلك بشكل موجه خصيصا لتلك المنشآت وإمكاناتها وقدراتها ومتاح لها في أبسط صوره ومجالاته كما قامت بذلك إيطاليا والبرازيل وسنغافورة بنجاح كبير وباهر. فإيطاليا على سبيل المثال التي وضعت في بداية هذا القرن خطة موفقة لدعم المنشآت الصغيرة كان من أهم أساسياتها الامتيازات التي عززت من قدرة المنشآت الصغيرة على النمو والاستمرارية، وكذلك محفزات التصدير الكبيرة التي مكنت منشآتها الصغيرة من غزو الأسواق العالمية بميز تنافسية خاصة. وكان نتاج تلك الخطة أن تم استحداث أكثر من مليوني منشأة صغيرة.
ومن أهم الحوافز الأساسية أن يتضمن النظام ما يجعل الدولة ممثلة في هيئة المدن الصناعية أن تخصص نسبة لا تقل عن 10 في المائة في كل مدينة صناعية للمنشآت الصغيرة، وكذلك الحال بالنسبة لوزارة التجارة، ووزارة الشؤون البلدية، ووزارة الزراعة التي من المفترض أن تخصص أراضي محددة في كل مدينة نامية للمنشآت الصغيرة تؤجر بإيجار رمزي منافس لما هو متاح للمشروعات الكبيرة. وتكون هذه المواقع بمنزلة قرى حاضنة لرواد الأعمال تتكامل فيها كل المرافق اللازمة لقيام وإنشاء وإدارة المشروع الصغير.
أما الجانب الآخر من تمكين الهيئة فهو العنصر البشري القادر على إدارتها بنجاح. فإن لم تتهيأ لهذه الهيئة العناصر البشرية كفاية وكفاءة فستولد عرجاء في زمن التسابق نحو مواكبة التقدم. فالعدد المخصص للموارد البشرية يجب أن يتناسب مع مهامها وفروعها المرتقبة في هذا الوطن الكبير المترامي الأطراف. كما أن نظام الرواتب والأجور من جهة أخرى يجب أن يكون مستقلاً عن وزارة الخدمة المدنية ومماثلاً لأنظمة بعض الهيئات المستقلة التي نشأت حديثاً. وأخيراً، فإن الهيئة التي لا تتوافر لها مخصصات مالية كافية، وصلاحيات تنظيمية ملزمة، وكفاءات بشرية وافية فسيكون مصيرها الفشل الذريع.