احترس: في مكتبك.. مناورون و«بوليتكس»
ضاق ''الرئيس التنفيذي'' ذرعا بمديري شركته والصراعات الشخصية التي تدور بينهم وأسلوب الحوار والتراسل الإلكتروني. أمرهم بأن يحزموا حقائبهم ويستعدوا للسفر على متن أول طائرة متجهه إلى ''سنغافورة''.
لكن رحلة العمل هذه، لم تكن سوى رحلة سياحية مدفوعة الراتب، كان يرمي منها الرئيس التنفيذي أن يرغم المديرين المتنافرين ـــ أو الإخوة الأعداء! ـــ على الالتقاء والتعايش سوية في المنتجع طيلة أيام الرحلة وأن يتقاسموا كل شيء من الوجبة إلى المتعة، على أن يوثقوا اللحظات التي تجمعهم في صور تذكارية توزع عليهم فيما بعد.
وقد نجحت هذه المبادرة عند عودتهم إلى السعودية في تذويب الحواجز بينهم والحد من ''البوليتكس''، حتى إن الرئيس التنفيذي كان يبرز الصور ويذكرهم بها كلما استشعر أن مستوى ''التعاون'' فيما بينهم أخذ يتناقص..
المناورات الإدارية أو مسايسات العمل workplace politics أو office politics تعد ظاهرة معروفة في كل مؤسسات العالم ـــ العامة منها والخاصة ـــ حيث يستخدم أحد ''المديرين'' سلطته ونفوذه للتأثير في سلوكيات الآخرين بما يحقق مآربه الشخصية داخل المؤسسة. قد تكون هذه المآرب السعي لتعزيز سلطة زائفة، أو الضغط على بقية المديرين، أو الاستحواذ على صلاحيات أو امتيازات ليست أصلا من حقه، أو إعاقة المنافسين والخصوم عن النجاح أو تصفية الحسابات معهم.
ويتمتع عادة المدير المناور بمستوى عال من الخبث والدهاء، ويسير وفق جدول أعمال سري hidden agenda. ويلجأ لتقوية شوكته إلى حشد تحالفات إما بالاتكاء على ''ظهر'' داخل المؤسسة أو خارجها أو بالتحزب مع تيارات صديقة لمناطحة التيارات المناوئة.
المدير المناور يماطل دائما، يتهرب من القرارات، أحيانا ليس بسبب عدم قدرته على اتخاذ القرار، وإنما التعمد في تعطيل الخصوم وتأخير مصالحهم. يحب أن يعيش في ظل الضبابية، فهو لا يريد سياسات ولوائح، ولا يريد أية قيود على صلاحياته، يفضل أن تكون الأمور عائمة دون توثيق.
أما من حيث الأساليب، فإن المدير المناور قد يستخدم أسلوب ''النفي'' حيث يحاول أن ينفي دائما صحة المعلومات أو الأخبار السيئة حول إدارته كي لا يظهر بمظهر الفاشل أمام رئيسه، وقد يلجأ إلى أسلوب ''فرق تسد'' مع مرؤوسيه لكي يضرب بعضهم ببعض، فلا يجرؤ أحد منهم أن يرفع رأسه لمواجهته!
المناورات الإدارية شر لا بد منه في أي مؤسسة، ولا تخلو منه مؤسسات العالم. الفارق الوحيد بينها يكمن في درجة هذه المناورات. هناك مؤسسات تعاني مناورات خفيفة، وهناك مؤسسات يتأزم فيها الوضع (مناورات وصراعات شخصية وشد وجذب) فيعوقها عن التقدم ويحرفها تماما عن مسارها، ويؤثر في عمليات حساسة، كتشكيل الخطط والاستراتيجيات، ووضع الميزانيات، وأداء الموظفين وتطوير القادة، ما يؤدي في آخر المطاف إلى انهيار المؤسسة إداريا وماليا.
العقلاء عندما يلتحقون بالعمل في المؤسسات يسخرون ُجل الوقت والجهد لتحقيق أهداف الإدارة بصورة خاصة والمؤسسة بصورة عامة. فلماذا إذن يضطر البعض إلى المناورة والمسايسة واللف والدوران لتحقيق مآرب شخصية لا تخدم أهداف المؤسسة؟ ربما تأتي الإجابة من واقع الدراسات الغربية التي تناولت ظاهرة المناورات الإدارية ــــ لا أعتقد أن هناك دراسات عربية تناولتها ــــ مؤكدين أن ظاهرة المناورات الإدارية تتزايد بصورة رئيسة داخل المؤسسات إما بسبب التوظيف على أساس المحاباة والمحسوبية أو تعدد المرجعيات وكثرة المستويات الإدارية أو بهما معا.
ومن أكثر المجالات التي يتصارع فيها المديرون المناورون:
ــــ التنظيم وإعادة الهيكلة: المدير المناور لا يهمه أن تنظم الوحدات الإدارية (أقسام أو إدارات) حسب الاختصاص أو حسب مصلحة العمل، إنما تجده يقاتل للاستحواذ على وحدة إدارية (مربحة) يرى أنها تعزز نفوذه وسلطته لتكون تحت إشرافه (يضمها إلى مملكته)، أو تجده يقاتل كيلا تسحب أو تنقل منه تلك الوحدة إلى إشراف الغير، أو تراه يسعى للتخلص من وحدة إدارية (خاسرة) تمثل عبئا يورط غيره بها.
ـــ تقييم الأداء: يحرص المديرون المناورون إلى ''تمييع'' عملية التقييم وتركها خاضعة لمعايير عامة وشخصية يستطيعون من خلالها تقييم الموظفين بدرجات متفاوتة من التحيز.
ـــ الترقيات: يحاول بعض المديرين التركيز على خدمة أجندة أو أهداف شخصية لتيارات داخل المؤسسة بدلا من التركيز على الأداء والإنتاجية للحصول على الترقية، كما أن بعضهم يسعى إلى منح المرؤوسين ترقيات إذا خدموا الأجندة الخاصة بهم.
لكن، كيف نمنع المناورات الإدارية؟ الحقيقة أن المناورات الإدارية مثل الكوارث الطبيعية لا يمكن منعها، لكن يمكن اتخاذ التدابير الوقائية التي تقلل من مستوى الخسائر البشرية والمادية.
على مستوى المؤسسات، يجب أن نحرص على غرس قيم العدل والمساواة والشفافية والكفاءة من خلال السياسات والبرامج الخاصة بالموارد البشرية مع التوجه دائما إلى تقليل المستويات الإدارية (لا تكن مؤسستك جيشا من الضباط بل من الجنود!) وتوحيد المرجعيات، إضافة إلى التأكيد على الموظفين بتغليب مصلحة المؤسسة على المصلحة الخاصة.
أما على المستوى الشخصي، فعليك أن تكون محترفا ولا تجعل المناورين يستدرجونك لتنفيذ مخططاتهم. حافظ على استقلاليتك بألا تتحالف مع المناورين، ولا تقف مع تحزباتهم. ذرهم وما يخططون. كن واضحا في تعاملاتك مع الجميع، ولتكن أعمالك الطيبة سببا لمصادقة الجميع داخل المؤسسة. اقترب من الموظفين الأنقياء وعاشرهم، أولئك الذين يغلبون المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية، لا يطعنون في الخلف، ولا يغتابون أحدا أثناء استراحة الغداء!