لله درك يا نايف.. رجل بأمة

مع أني أكتب في مجال الاقتصاد، وهذا هو شأني دائماً، إلا أن الحوادث الكبرى التي تمس الضمير والوجدان تكون ذات أولوية مضاعفة، وتجبر العقول على الانصياع لها، والأقلام على الكتابة فيها، بل تضفي على الجو العام ما يستحق الحدث من نتائج وآثار.
وهل هناك أثر أكبر من رحيل إنسان له في كيانك وحياتك مساحة واسعة من الحضور بكل ما فيه من جمال وهيبة وحكمة وعطف وكرم، وآية من آيات الفداء ومحبة الأوطان بمحبة من فيها من الناس، وذلك الخزين الهائل من الذكريات التي تربط الإنسان بالأرض، وتديم اعتزازه بها، وتدعم سبل الخير بدعم الخيرين نحو المزيد من البذل والعطاء؟
نعم، كغيري من أبناء المملكة، صعقت برحيل نايف بن عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ كما صعق آلاف من محبي هذا الرجل العظيم المحب لوطنه وأمته الإسلامية والإنسانية أجمع، إن الخبر يكاد لا يصدقه العقل لكننا مؤمنون، ولا نعترض على قضاء الله وقدره، ونسأل الله له الفردوس الأعلى.
لقد منحني القدر فرصة اللقاء بسموه في منتصف 2011 مع مجموعة من شباب المملكة من مختلف المناطق لم نكن نقدر ونعي ما تعنيه المسؤولية العامة إلا بعد أن جلسنا معه، فهذا الرجل أضاف لها ولم تضف له شيئاً، فالمسؤولية التي كانت على عاتقه ليست كما هي على عاتق كثير من الناس الذين يرون في المناصب تشريفاً وراحة، كم توقفنا في محطاته، وكم كانت جليلة مهماته، وكم شعرنا بثقل ما ناء به، لا أبعد أن قلت: إننا أقزام بالمقارن مع حجم عمله وجلده وصبره، سأحاول أن أسرد لكم بعض ما شاهدته في هذا اللقاء الذي امتدد إلى ما يقارب 3 أو 4 ساعات.
فقد استقبلنا سموه في مكتبه بكل حفاوة وتقدير، وهذا ليس بغريب على نايف بن عبد العزيز، أمر جميع مساعديه بمغادرة المكتب ليعطينا إحساس عدم الرسمية في اللقاء، فهو لقاء أب مع أبنائه، ونعم الأب، وبقي مدير مكتبه فقط ليسجل اقتراحاتنا وترك لنا المجال للحديث أولاً، الأمير نايف مستمع من الطراز الأول ومثقف بدرجة عالية من الثقافة، هذا ما لمسته شخصياً مع أنه كان لا يقاطعنا عندما نتحدث وهو الأمير وهو المثقف وهو المطلع، بل ينتظر حتى ننهي ما نتكلم فيه، ومن ثم يبدأ في الاستفسارات أو استيضاح الأمور التي وردت في حديثنا، كان لديه حضور ذهني قوي جداً وقدرة عالية على التحليل.
لقد لمسنا هموم نايف من نقاشه، كان يهتم بالمعيشة الكريمة للمواطن السعودي، وعلى وجه الخصوص الشباب، وكنا نعرض على سموه إنجازات شباب الأعمال في المملكة، وكان سؤاله المستمر كم مشروعا أقامه الشباب؟ وكم وظف هذا المشروع؟ كانت لديه طموحات عالية في مشاريع الشباب التجارية، فهو يريد أن يرى مشاريع توظف شباباً سعودياً بإدارة سعودية، وأيد عاملة سعودية برواتب مجزية تضمن العيش الكريم، وكان يوجه التجار برفع الرواتب للسعوديين وعدم الجشع في الأرباح.
نعم نايف، لله درك! كان في هذا اللقاء يتلمس حاجات الشباب، وكان في وقت اللقاء نفسه قد طرح قبل فترة قصيرة نظام ساهر المروري، كان سموه يريد أن يعرف رأي الشباب على وجه الخصوص في هذا النظام، وطلب بل أصر أن تكون أجوبتنا له بكل شفافية، وفعلاً كانت ومن الملاحظات التي ذكرت: كيف يتم مخالفتنا على السرعة ولا توجد علامات إرشادية تبين السرعة في هذا الشارع؟ لنرى بعد أيام انتشارها في أماكنها الصحيحة، الأمير نايف ـــ رحمه الله ــــ يستقبل أي مقترح عملي متكامل.
الأمير نايف كان العين الساهرة بعد الله ــــ سبحانه وتعالى ـــ على أمن هذا البلد، كان يعمل يوميا أكثر من 16 ساعة، تخيل رجلاً في هذا العمر يعمل كل هذه الساعات الطوال لأمن المواطن! والله أحسست أني والجميع نقطة في بحره، كان يتابع كل صغيرة وكبيرة في البلد من عمليات الإرهاب التي والحمد الله وبعد فضل الله ثم الأمير نايف ذهبت عنا هذه الغمة والهم، وإلى حوادث السير، والمخدرات، التي كان يتابعها لحظة بلحظة، فقد كان جوال سموه لا ينطفئ من الرسائل التي ترد له من شرق إلى غرب، ومن شمال إلى جنوب المملكة يتابع الأمور صغيرها وكبيرها من أمثال أمن حدود وطننا الغالي، ويستقبل أبناءه في كل وقت، لله درك يا نايف!
نايف بن عبد العزيز اسم يكتب من ذهب على جبين التاريخ، مهما كتب ومهما قيل عن هذا الرجل لم ولن يفي بحقه فضلا عن 3 أو 4 ساعات جالستها مع سموه، تمنيت أني تتلمذت في مدرسته، نعم الأمير نايف بن عبد العزيز مدرسة في القوة والثقافة والصبر والحكمة ويعرف كيف توزن الأمور، نعم نايف بن عبد العزيز رجل دولة، يستحق أن يخلد في ضمائر الجيل.
وفي ختام هذا المقال الذي لا يفي حقه أو يصل قطرة من بحر صفاته وإنجازاته، أسأل الله العلي القدير أن يغفر له ويسكنه الفردوس الأعلى، ويسقيه من يد المصطفى محمد ـــ صلى الله عليه وسلم، ولا يحرمه لذة النظر إلى وجهه الكريم، وأن يجمعه مع الأنبياء والصديقين والشهداء، رحمك الله يا نايف بن عبد العزيز.
أعزي أبانا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأنفسنا على فقدنا أسد السنة النبوية وحامي بلد الحرمين الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله، وإلى جنات الخلد ـــ إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي