«التعاون الخليجي» من المنافسة إلى الاتحاد

هل تشهد دول مجلس التعاون الخليجي منافسة اقتصادية أم تكاملاً اقتصادياً؟ في حضورنا ''مؤتمر الاستثمار في البنية التحتية'' الذي عقد في دبي أخيرا، لم أستغرب حجم الاستثمارات في المنطقة ولا حجم المليارات المرصودة لها، ولكن استغربت التنافس الغريب بين دول مجلس التعاون، فعلى سبيل المثال، هناك ستة مشاريع جديدة لتطوير موانئ بحرية بين إقامة ميناء جديد، أو توسعة ميناء حالي، حيث تبلغ القيمة الإجمالية لهذه المشاريع نحو 9181 مليون دولار، وتستوعب نحو 58 مليون حاوية إضافة إلى عدد الاستيعاب الموجود حالياً.
هناك حزمة أسئلة تتبادر إلى الأذهان وهي: هل تستوعب سوقا ما هذا الحجم الضخم من الموانئ؟ وهل يعقل أن تقوم شركات الخدمات اللوجستية بفتح ثمانية أو تسعة فروع بين كل فرع وآخر مسافة لا تتجاوز الساعة؟ وهل تستحق ''كعكة'' الموانئ أن تكون بهذا الحجم؟ أم ترى أن تطويرها ليس سوى زيادة في أعداد موانئها فقط، وكيف يستقيم هذا مع مفهوم العالم الذي ينظر إلى دول الخليج على أنها وحدة واحدة أو كيان واحد بالمنظور الاقتصادي، على سبيل المثال: يقال في الوكالات التجارية: إن صاحبها وكيل لدول الخليج.
واليوم تمر على ذكرى تأسيس مجلس التعاون الخليجي أكثر من 30 سنة تقريباً، وبالنظر إلى صفة المجلس ''تعاون'' فإنه لابد من أن يحمل دلالات واقعية حقيقية كأن يكون هناك تعاون اقتصادي بينيّ، إذ أنعم الله على بعض هذه الدول بوفرة في الثروات الطبيعية مثل السعودية والكويت، فلماذا لا تستفيد المملكة من هذه الميزة التنافسية، وتعمل على تطويرها بتطوير صناعة البترول والمعادن، وتحفيز جميع التجار على تأسيس شركات في هذا المجال، كذلك تمتلك قطر وفرة في الغاز، فلماذا لا يكون هناك تركيز في التعاون في هذا المجال، وهناك عمان التي يمكن الاستفادة من موقعها على بحر العرب بتصدير الإمارات والبحرين كمركز مالي، وخدمات لوجستية وهكذا، ثم ما فائدة القطار الخليجي المنتظر إذا كان لكل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من اثنين أو ثلاثة موانئ بحرية تجارية، وهي في عداد الدول المستهلكة وليست المصدرة؟
وإذا كان هناك ثمة رأي دقيق يمكن طرحه، فيجب أن يكون الدور بين دول مجلس التعاون دوراً تكاملياً لا تنافسياً محموماً، صحيح أن المنافسة شيء جيد، ولكنه كذلك إذا كانت السوق تتحمل هذه المنافسة، مثال: في سوق المشروبات الغازية، لا نجد إلا عملاقين يستحوذان على أكثر من 90 في المائة من هذا السوق، والمنافسة صعبة جداً، لكن ماذا لو كان لدينا في دول مجلس التعاون محفظة استثمارية تنموية هدفها خدمة دول مجلس التعاون، كالمشروع السابق بين دول مجلس التعاون في ''طيران الخليج''؟ نحن نريد أن يكون لدينا مشروع شركة طاقة الخليج، أو شركة موانئ الخليج، أو شركة صناعات الخليج، فبهذه الشركات سيكون هناك تكامل اقتصادي، وفرص عمل لجميع أبناء الخليج.
وهناك مشاريع مشتركة يحتاج إليها الخليجيون كذلك مثل: توليد الطاقة وتحلية المياه، ولو أنفق جزء من ـــ أو أكثر من ــــ هذا المبلغ المرصود لتطوير الموانئ في تطوير مشاريع تحلية المياه التي تعد من المشاريع الاستراتيجية لأتى بنتائج باهرة على المديين المتوسط والبعيد، كذلك مشاريع الطاقة، فهناك عجز في كثير من دول الخليج في الطاقة، وكان الأفضل أن يتم مد خط غاز بين قطر والإمارات، وأخيرا وليس آخراً، الضرورة الحتمية للتعاون في انجاح مبادرة الطاقة المتجددة من خلال مشاريع الطاقة النووية السلمية التي تشكل عمودا أساسياً تستقبل به دول المجلس عصر التحول الدولي الجديد، وتضع ركناً مضافاً لتمتين قوة بناء المجلس على امتداد الزمان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي