بشار الأسد .. نموذج عربي جديد!

الأحداث العربية خلال السنوات القليلة الماضية قدمت لنا نماذج لأسلوب ومنهج التفكير القيادي العربي، وكيف تعامل كل رئيس دولة مع الأحداث المحيطة به وخرج منها، ومن هذه النماذج تبرز محاولة لجعل الرئيس السوري بشار الأسد نموذجا سادسا وجديدا لنماذج ترك الرؤساء العرب مواقعهم في قمة السلطة.
إن وجود نماذج لترك الرؤساء العرب مواقعهم القيادية لم يجعل أيا منهم يستفيد من تلك النماذج، ولهذا يعتبر الرئيس السوري بشار الأسد النموذج الأسوأ بينهم لأنه عايش خمسة نماذج لقيادات عربية تركت السلطة بوسائل مختلفة، من التنحي إلى الهرب أو القتل أو الإعدام أو محاولة التصفية خلال السنوات القليلة الماضية، أي قبل وأثناء ما يسمى الربيع العربي، وكل هذه النماذج العربية تستحق التأمل والفحص والدراسة للاستفادة منها لوقف المزيد من إراقة الدماء العربية، كما حدث في العراق واليمن وليبيا ويحدث اليوم وبشكل مخجل ومؤلم في سورية الحبيبة.
إن النماذج العربية التي يمكن قراءتها وتأملها وتأمل آثارها السلبية والإيجابية على القيادات العربية التي تركت مواقعها وخلفت وراءها الدمار الجزئي أو الشامل لأوطانها يجعل أمر دراستها والتعمق في تحليلها في غاية الأهمية، ومع أنني لست متخصصا في مثل هذا المجال الحيوي والمهم، ولست ممن يعشقون السياسة، لأنها تنطلق دائما من ثقافتي الكذب والمراوغة، وهما ثقافتان لا أحبهما ولا أجيدهما، لكنني أنظر إلى هذا الأمر من المنظور التنموي الشامل الذي يحرص على حماية ورعاية وتطوير القدرات البشرية والحفاظ على المكتسبات الوطنية من مؤسسات ومنشآت وبنية تحتية وفوقية، وهما ما يتم تهديدهما اليوم في بعض الدول العربية، هذا الهدم والدمار الذي يحتاج إلى عشرات وربما مئات السنين ومليارات الريالات لإعادتها لوضعها الذي كانت عليه قبل الدمار والخراب، وهذه النظرة التنموية هي التي دفعتني لتقديم هذا المقال، لعل يكون فيه الفائدة لقيادات تلك الأوطان لتقدير الضرر في حالة الإصرار على عدم الالتفات للمطالبات الشرعية لشعوبهم.
إن التجربة المريرة الأولى التي كان يجب التعلم منها هي الموقف المتعالي والمتكبر من الرئيس العراقي صدام حسين، عندما اعتقد أنه يملك القوة للوقوف في وجه العالم وأعطى كل الأسباب لجميع شعوب وحكومات العالم للوقوف ضده ثم تدمير العراق الحبيب والانتهاء به في حبل المشنقة، ودخول العراق العظيم في نفق القتل والدمار إلى وقت لا يعلمه إلا الله، دفع مرارة مثل هذه النهاية لصدام حسين، إلا أن من يدورون في فلكه من القيادات العربية اعتقدوا أنهم لن يتعرضوا لمثل هذا المصير، وهنا قدم لنا صدام حسين نموذجا لنهاية طاغية عربي أساء استخدام قدراته وشعبه وعمل على تدميره.
النموذج الثاني هو الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن على، ومع اختلاف الرجلين، إلا أن قراءة الأحداث المحلية ووجود البطانة الفاسدة التي منعته من الاستماع لصوت المواطن جعلته يدرك متأخرا بعض الشيء حقيقة الوضع وهو ما دفعه للهرب خارج تونس ضاربا بالوطن والمواطن ومقدراته عرض الحائط تحت قاعدته ''أنا ومن بعدي الطوفان'' وهذا نموذج آخر يحسب له فيه عدم إراقة الدماء، لكن لولا لطف الله لآلت الأمور إلى ما هو أسوأ.
النموذج الثالث هو الرئيس المتنحي حسني مبارك، ومع أن الرجل يحسب له الكثير من المواقف الوطنية والعربية والإقليمية والدولية وماض حافل بالكثير من الإنجازات، ووحد الجيش لخدمة الوطن، إلا أنه لم يستثمر ذلك في الوقت الصحيح وأعطى الراية المصرية لمن لا يستحقها، فأدى ذلك إلى سحقه وسحق الجميع، والخوف كل الخوف هو على قاهرة المعتصم ومصر عامة من الانزلاق لما هو أسوأ في الأيام المقبلة - لا قدر الله - وهو هنا يقدم نموذجا سلبيا آخر لكل عربي آخر.
النموذج الرابع هو الرئيس الليبي المنتحر معمر القذافي، ومع أن هذا النموذج هو الأسوأ بين جميع النماذج السابقة، وذلك بسبب الفجوة العميقة أو السحيقة بينه وبين الواقع المحلي والإقليمي والعالمي، وكان لفترة زمنية طويلة يعيش في عالمه البعيد كل البعد عمن حوله مع وجود بعض الومضات التي تحسب له مثل ما ذكره في القمة العربية عن مصير الرئيس العراقي، إلا أنه لم يستفد من ذلك وانتهى به الأمر لما هو أسوأ من مصير صدام حسين في منظر يدمي العين قبل القلب، وبهذا قدم لنا معمر القذافي نموذجا آخر لمن يريد أن يستفيد ويعتبر.
النموذج الخامس هو الرئيس المعتزل علي عبد الله صالح، ومع أنه قدم نموذجا يعتبر أفضل كثيرا ممن سبقه مع ما صاحبته من تصفيات دموية إلا أنه ضمن على الأقل الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والاجتماعي لليمن، وهو نموذج آخر يمكن أن يقدم للدراسة والاستفادة منه مع أن نهايته كادت تكون مختلفة لو حقق التفجير الانتحاري الذي تعرض له أهدافه.
النموذج السادس هو الرئيس المغلوب على أمره بشار الأسد، والقارئ لبشار الأسد في بداية عمله يأمل الكثير منه من أجل الإصلاح والتطوير لمصلحة إنسان ومكان سورية، لكن الأمور تغيرت بشكل لا يعرف سببه والمتسبب فيه مع أنه كان يملك الفرصة العظيمة لنقل وطنه سورية إلى أفضل ما يكون وها هو اليوم يقدم أسوأ نموذج لقيادي عربي مقارنة بالنماذج القيادية العربية التي سبقته، ففي البداية أخذ بالنموذج المصري المستهتر بالوضع ثم النموذج الليبي المضحي بشعبه ويدخل اليوم في بداية النموذج العراقي، وأعتقد أنه إذا لم يدرك الأمور ويستعمل ما بقي له من عقل ومنطق قبل فوات الأوان فإنه سيقدم لنا نموذجا جديدا لنهاية قيادة عربية خرقاء أخرى.
الأمل كل الأمل أن ندرس هذه النماذج وغيرها حتى نساعد من بقي أو من هو قادم أو لغيرهما من قيادات العالم للاستفادة من مثل هذه النماذج والدروس حتى لا يسجل التاريخ للأجيال العربية والعالمية القادمة نهايات مأساوية جديدة أكثر دموية لإنسان ومكان عالمنا العربي الحزين المغلوب على أمره. ويبقى سؤال لاستكمال جزء مهم من هذا المقال وهو: هل تحقيق الاستقرار يكفي لتحقيق الاستمرار وفقا لهذه النماذج العربية؟ ولعل المقالات القادمة تحاول الإجابة عنه وكان الله في عون الجميع وهو الهادي إلى سواء السبيل.

وقفة تأمل
للجد ما خلق الإنسان فالتمس
بالجد حقك لا باللهو واللعب
لا خير في الهزل فاتركه بجملته
واهرب بعرضك منه غاية الهرب
ما يلبث الهزل أن يجني لصاحبه
ذما ويذهب عنه بهجة الأدب

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي