التشخيص الزائف
قبل ثلاث سنوات أو أكثر خرج مدير مطار دولي عن حدود الدبلوماسية والتحفظ الذي تتطلبه عادة المناصب الكبيرة لدينا، وصرح لإحدى الصحف بالسبب الحقيقي الذي جعل مطاره، وبقية مطاراتنا، متأخرا عن المطارات العالمية. لا أخفيكم أنني وبعد أن قرأت ذلك التحقيق الصحافي كانت أول ردة فعل دارت في مخيلتي أن هذا التصريح ليس إلا كلمة شجاعة من رجل يترجل عن كرسيه. أتى ذلك التصريح عندما كانت منظومة المطارات تعمل تحت مظلة وزارة الدفاع والطيران وما يملي موقعها الإداري والتنظيمي آنذاك من هوامش ضيقة مع الإعلام. كان تصريح مدير المطار الدولي مصارحة المجتمع والمواطن بأن تطوير المطارات لن يتحقق طالما بقيت الجهات الحكومية العاملة في المطار على الحالة الإدارية والتنظيمية التي هي عليها. ومع أن تصريحه كان مقتضبا في هذه الجزئية، إلا أنه أصاب كبد الحقيقة في زمن نرى تعمد تزييف التشخيص عند التطرق للمؤسسات أو المشاريع متردية الجودة. يغلب البحث عن التشخيص على طروحاتنا الإعلامية التي تتناول تردي جودة المؤسسات الخدمية مع أن الغالبية العظمى من القائمين على تلك المؤسسات يعرفون تماما الأسباب وكذلك الحلول، ولكنهم يختلفون عن مدير ذلك المطار الشجاع في القدرة على المصارحة. الجودة النوعية للمطارات ورضا المسافر عنها مسؤولية الهيئة العامة للطيران المدني فقط في عين الزبون، ولا يهمه معرفة الجهات المتسببة في تردي حالتها، كما أن الكشف عن الجهات المتسببة في القصور والتوقف عند ذلك لا يأتي بجديد لمطاراتنا. تتزامن حالة التردي الأخيرة في مطاراتنا مع انعقاد الملتقى الثاني للجودة النوعية في العمل الأمني التي تنظمه مشكورة وزارة الداخلية الأسبوع القادم، كون الجهات الأمنية من الجهات الحكومية الرئيسة العاملة في المطارات التي تؤثر في الجودة النوعية الشاملة للمطار. إجراءات الجوازات من مؤشرات الجودة النوعية ممثلة رقميا بالزمن الذي يستغرقه المسافر لإنهاء الإجراء وممثلة أيضاء بالكيفية في سلوك القائمين على الإجراءات حين التعامل مع المسافرين. الجودة النوعية للجهات الأمنية العاملة في المطارات من المحاور الحيوية الجديرة بأن تطرح في ملتقى الجودة النوعية، وعلى الهيئة العامة للطيران المدني المشاركة في هذا الملتقى، ومشاركة المختصين في وزارة الداخلية تجارب المطارات المتقدمة كدبي وشانجي وهيثرو وهي تجارب متاحة للجميع.