الإدارة أو المرجعية المحلية إحدى الإجابات!

كثر الحديث والنقد والمناقشة اليوم حول العديد من المسؤوليات التنفيذية ومعرفة من المسؤول عمّاذا، خصوصا ما يتعلق بشؤون المواطن اليومية وما يرتبط بمتطلباته، إضافة إلى متابعة وتنفيذ ما يصدر من أنظمة وتوجيهات وتعليمات ومشروعات في مختلف مناحي الحياة.
ولكثير الحديث أيضا عن أمورنا الحياتية اليومية المرتبطة بالصحة والسلامة والعمل وبمظاهر مدننا وشوارعها وطرقاتها ومن المسؤول عنها، وعن تنفيذ ما يصدر بخصوصها من أنظمة وتعليمات، ووضع تنظيمات وأنظمة لما لا يوجد له نظام، خصوصا ذات العلاقة بالشأن المحلي، ومن يراقب الأداء ويقويه ويحاسب على عدم الإنجاز؟
والأسئلة مستمرة في هذا الشأن حول المحاسبة وجميع من يحاول الإجابة يقفز دائما للحلول المركزية والأجهزة المركزية، وكل مسؤول في الأجهزة الرقابية من موقع عمله في العاصمة الرياض أو من بعض الفروع الضعيفة في المناطق يعتقد أنه قادر على المراقبة والمتابعة، وعندما يأتي السؤال الأهم وهو لماذا كل هذه المشكلات والتأخر والتخلف؟ تجده يبادر وبشكل مباشر وتلقائي: إننا سنعمل ونعمل ونعمل، لكن نحتاج إلى الدعم البشري والمادي، لأننا لا نستطيع أن نغطي كل المناطق ثم نجد أغلبهم يكمل تلك الجملة الشهيرة بقوله: وكما تعلم وهو هنا يوجه الحديث للمذيع أو الصحافي أن المملكة العربية السعودية قارة ودولة بمثل هذا الحجم تحتاج وتحتاج، ونحن على هذه الحالة منذ سنوات عديدة.
السؤال الذي لم أسمعه من أي مناقش أو مداخل هو أين الإدارة المحلية أو المرجعية المحلية؟ ولماذا كل أمر صغر أو كبر يجب أن يعود للجهاز المركزي؟ وكل وزير مسؤول عن كل صغيرة وكبيرة في هذه القارة، ولم نركز أبدا على أن الأجهزة المركزية انحرفت عن دورها وأصبحت هي المشرّع والمنظم ومصدر الأوامر والتعليمات، والمراقب والمنفذ والمحاسب والمعاقب والمتسبب في كل المشكلات بدون قصد، وربما بحسن نية. وأعود للسؤال الأهم للإجابة عن كل هذه الأسئلة أين دور الأجهزة المحلية، أو وجود مرجعية محلية لمثل كل هذه المشكلات؟
إن دور الإدارة المحلية في كل منطقة ثم محافظة ربط مسؤولية المتابعة والمحاسبة بها، وجعلها المرجعية المحلية سيعالج الكثير من الخلل التنموي الذي نراه اليوم، ويقلل من الضغط غير المبرر على الأجهزة المركزية بشكلها التشريعي والرقابي، ويحدد المسؤولية في كل منطقة بجهاز واضح وصريح يتحمل كل المسؤولية عن وضع منطقته ومشروعاتها ومشكلاتها ومتطلبات سكانها المحليين دون الحاجة إلى الضغط البشري على رحلات الطائرات لمراجعة الأجهزة المركزية في قضايا محلية صرفة.
إن الفكرة من هذا المقال هو تقديم رسالة يمكن من خلالها إعادة النظر في المسؤوليات الحكومية ومستوياتها ومرجعياتها، بحيث يتم تحديد مسؤوليات وصلاحيات واضحة وصريحة لكل من الأجهزة المركزية والإقليمية والمحلية، بحيث يسهل من خلال ذلك المحاسبة والمتابعة وتحديد مواطن الخلل وعلاجها بشكل واضح وصريح لا يحمل المجاملة لأي مسؤول كبر أو صغر، وفي الوقت نفسه يضمن الحقوق للمواطنين والمقيمين بدل ما نراه اليوم من تراكم القضايا وتداخلها وتأخرها، ومحاولة كل جهة التخلص من مسؤوليتها، وذلك بسبب عدم وضوح المسؤوليات والصلاحيات ثم المحاسبة.
إن ما نراه اليوم من حوارات ومقالات وتعليقات في مختلف الأجهزة الإعلامية، وما يتعرض له الكثير من المسؤولين من حرج عند المشاركة في مثل تلك البرامج أو اللقاءات، أو محاولة البعض الآخر الهروب من المشاركة حتى لا يتعرض للإهانة والتقريع، بسبب عدم قدرة جهازه على أداء العمل بالشكل المرضي في حده الأدنى، ولعل ما نتابعه اليوم في بعض تلك البرامج يوجب علينا معالجة الأمر وعدم تشويه كل منجزاتنا الوطنية والإقليمية والمحلية، بسبب مثل هذه الفجوة الإدارية غير محسوسة الخطورة، ومثل هذه البرامج الإعلامية لم تعد برامج تذاع أو تشاهد محليا، لكنها تشاهد وتسمع في كل أصقاع الأرض، ويتألم الواحد منا عندما يرى عدم قدرة بعض من يتورط من المسؤولين في المشاركة في تلك البرامج من الإجابة عن الكمّ الهائل من الأسئلة والرسائل البريدية الإلكترونية والتعليقات اللاحقة لها.
إن مرحلة التنمية الحالية والمستقبلية والنمو السكاني والعمراني السعودي وما يتطلبه من إعادة للنظرة الإدارية في تحديد المسؤوليات والصلاحيات ثم المحاسبة عليها بين كل المستويات الإدارية المركزية والإقليمية والمحلية، وربط كل مستوى بما يقابله من مسؤوليات، وعلى سبيل المثال على المستوى الإقليمي يجب أن تتحمل مجالس المناطق وإماراتها مسؤولياتها الإقليمية والمحلية في المتابعة والاعتماد والمحاسبة، ثم يحاسب مسؤولوها على أي تقصير نتيجة أي خلل أو إهمال في أداء الأجهزة المحلية في تلك المناطق بدل الوضع الراهن، وهو ارتباط كل مسؤول محلي بالجهاز المركزي، ما أوجد فجوة تنموية إدارية حقيقية في تنفيذ المشروعات وحماية الحقوق وتقديم أفضل الخدمات للمواطن والمقيم.
وأخيرا لعلنا نجد الإجابة عن الكثير من الأسئلة في تقديم نموذج إداري تنموي يتمركز في دعم دور الإدارة المحلية ومحاسبتها عند أي تقصير أو خلل وفق نظام يحدد كل مسؤول عمّاذا نعيد ترتيب الأوراق لمرحلة قادمة تحت كل جهد ومال ووقت لمستقبل أفضل لإنسان ومكان المملكة العربية السعودية، ولعل الوقت يسمح لطرح الفرق بين مفهوم الحكم المحلي والإدارة المحلية ومستويات ومسؤوليات كل منهما، والله من وراء القصد.

وقفة تأمل:
''الحق يحتاج إلى رجلين: رجل ينطق به، ورجل يفهمه''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي