متى سنشاهد أنظمة فعالة للإفلاس؟
في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما تواجه أي شركة (أو مؤسسة تجارية أو حتى الأفراد) مخاطر الإفلاس فإن الأنظمة هناك تسمح للشركة بحماية نفسها من دائنيها بطريقة واضحة ومعلنة أمام الجميع، خلال فترة زمنية كافية يقررها القاضي لإعادة ترتيب أوضاعها المالية الداخلية بعيداً عن الدائنين تحت ما يسمى بالفصل الحادي عشر، كما حددت الأنظمة هناك آليات واضحة ومعلنة تضمن حقوق جميع الأطراف ذات العلاقة عند تصفية الشركة سواء تحت هذا الفصل أو تحت ما يسمى بالفصل السابع.
أما في المملكة (ومعها عديد من الدول العربية)، فنحن نفتقد وجود أنظمة فعالة تعنى بحالات الإفلاس أسوة بما هو مطبق في الاقتصادات المتقدمة عالمياً، فمثلاً قد نجد أن شركة (أو مؤسسة فردية أو حتى أفراد) تتعرض للإفلاس من خلال عجزها عن سداد الديون أو سداد التزاماتها تجاه الموردين، بينما لا أحد يعلم عن ذلك بطرق قانونية واضحة ليُفاجأ العملاء أو الموردون أو الدائنون بعد ذلك أن تلك الشركة (أو المؤسسة الفردية والفرد) تعاني الإفلاس، وربما ليس لها وجود سواء دخلت مرحلة التصفية أم لم تدخل، وأرى أن هذا الوضع يجب ألا يستمر طويلاً إذا كنا حريصين فعلاً على تطوير اقتصاد بلدنا الغالي.
وإذا أردنا أن نقيّم الوضع الحالي، سنجد أن نظام الشركات المساهمة نص على أنه إذا بلغت خسائر شركة المساهمة ثلاثة أرباع رأس المال وجب على أعضاء مجلس الإدارة دعوة الجمعية العامة غير العادية للنظر في استمرار الشركة أو حلها قبل الأجل المعين في نظامها، وإذا أهمل أعضاء مجلس الإدارة دعوة الجمعية العامة غير العادية، أو إذا تعذر على الجمعية إصدار قرار في الموضوع، جاز لكل ذي مصلحة أن يطلب حل الشركة، ما يدل على أن الشركة المساهمة لا تخضع للإفلاس التلقائي بمجرد تجاوز خسائرها ثلاثة أرباع رأس المال وإنما يتوقف الأمر على انعقاد الجمعية العامة غير العادية أو إقامة دعوى قضائية من شخص ذي مصلحة مطالباً بحلها!
أما إذا رغبنا في الحديث عن نظام التسوية الواقية من الإفلاس فهو مع الأسف نظام غير فعال وفيه الكثير من الثغرات مثل طبيعته الاختيارية وتجاهله للمؤسسات الفردية، إلى جانب تداخله مع نظام الشركات المساهمة، حيث لم نسمع حتى يومنا شركة مساهمة واحدة طبقت هذا النظام منذ تشريعه على الرغم من تعرض عديد منها لمخاطر الإفلاس بطرق غير معلنة، وبالتالي تكون النتيجة النهائية أن من يتعرض لمخاطر الإفلاس (من شركات أو مؤسسات فردية أو أفراد) يصبح دائماً هو الحلقة الأقوى أمام دائنيه ومورديه وعملائه ليضعهم أمام الأمر الواقع من خلال المفاوضات فقط، والتي قد تمتد لسنوات للقبول بشروطه هو تحت شعار "عجبك وإلا رح اشتكي"!