الحجاج غير النظاميين سلبية كل حج

لا يمكن أن ينكر أي إنسان منصف، سواء كان مسلما أو غير مسلم، الجهود العظيمة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين بكل أجهزتها وقطاعاتها الحكومية والخاصة والأهلية والإعلامية والأكاديمية، لخدمة ضيوف الرحمن في كل موسم حج. هذه الخدمات والمشروعات والخطط تصطدم كل عام بما يعرف بالحجاج غير النظاميين، ممن يأتون لأداء فريضة الحج من دون أي ترتيبات إسكان ونقل وإعاشة، ويعتمدون في ذلك على ما يخلقونه من فوضى في المشاعر المقدسة من افتراش للطرق واعتداء على مخيمات الحجاج النظاميين واستخدام وسائل نقل بدائية، ومع ازديادهم خلال الأعوام الماضية وتطوير وسائل النقل من خلال إدخال القطار ونظام الرحلات الترددية، أضافوا عبئا جديداً على أداء وسائل النقل، ومن ذلك - على سبيل المثال - إصرارهم على استخدام قطار المشاعر للتنقل بين المشاعر المختلفة دون حصولهم على البطاقات أو الأساور التي تسمح لهم بذلك، معتمدين على نظام الهمجية والعنف والإساءة لنظام الحج، وهو ما انعكس بشكل سلبي على خدمة الحجاج النظاميين، خصوصا حجاج الداخل، ما كاد يؤدي إلى كارثة إنسانية لا تحمد عقباها تغتال كل الجهود وتعطي لكل شامت الفرصة لمزيد من الإساءة لجهود حكومة ورجال هذا الوطن الغالي.
إن استمرار تدفق الحجاج غير النظاميين، مع حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على التحذير من ذلك بكل الوسائل الممكنة، وعلى رأسها ''حملة الحج عبادة وسلوك حضاري''، التي اعتمدها وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا، ويتابع تنفيذها أمير منطقة مكة نائب رئيس لجنة الحج العليا رئيس لجنة الحج المركزية، هذه الحملة التي انطلقت قبل أكثر من أربع سنوات لإيضاح خطورة كثير من الظواهر السلبية في الحج، وعلى رأسها الحجاج غير النظاميين الذين يحولون موسم الحج إلى موسم فوضى وإساءة لهذه الشعيرة الإسلامية العظيمة، إضافة إلى العديد من الظواهر السلبية الأخرى، التي منها على سبيل المثال، شركات الحج الوهمية، ارتفاع أسعار حملات الحج في الداخل، التنقل بالمركبات الصغيرة، النظافة، الافتراش، استخدام الغاز، والتسول. إن أغلبية تلك الظواهر السلبية تم القضاء عليها أو تحجيمها بسبب فرض العقوبات التي يتم تطبيقها على المخالفين، أما الحج من دون تصريح فنظراً لعدم إيجاد العقوبات الرادعة لمن يحج من دون تصريح، فإن أعدادهم في تزايد مستمر عاما بعد عام، فعلى سبيل المثال عندما انطلقت حملة ''الحج عبادة وسلوك حضاري'' انخفض عدد الحجاج غير النظاميين في عام 1429هـ إلى أقل من 600 ألف حاج وانخفض العام الذي يليه بنحو 55 ألف حاج، لكن عندما لم ير المخالفون أن هناك عقوبات رادعة لمن يخالف الحج بدأت أعدادهم في التزايد، ففي عام 1431هـ ارتفع العدد إلى أكثر من 900 ألف حاج مخالف لنظام الحج، وفي عام 1432هـ زاد العدد على مليون حاج، وهذا العام 1433هـ وصل العدد إلى أكثر من 1.5 مليون ألف حاج غير نظامي، هذا الازدياد غير المبرر من عديد من المقيمين إقامة نظامية في المملكة أثر بشكل سلبي في كل الخدمات التي تقدم لحجاج بيت الله الحرام، والأدهى أن هذا العام كاد يحمل معه كارثة إنسانية بسبب إصرار أكثر من 200 ألف حاج غير نظامي على استخدام قطار المشاعر دون الحصول على بطاقات صعود القطار، ما أدى إلى الازدحام الشديد على بوابات القطار وتأخر الحجاج النظاميين لأكثر من ست ساعات في تلك المحطات، مع ما صاحب ذلك من تزاحم وتدافع، لولا رحمة الله لحدث ما لا تحمد عقباه.
لقد أوضحت إحصائيات أعداد الحجاج غير النظاميين لهذا العام، التي أصدرتها مصلحة الأحصاءات العامة، أن عدد الحجاج غير النظاميين بلغ أكثر من 1.5 مليون حاج، منهم على سبيل المثال أكثر من 260 ألفا من الجنسية المصرية وأكثر من 200 ألف من الجنسية الباكستانية وأكثر من 70 ألفا من الجنسية الهندية وأكثر من 60 ألف من الجنسية اليمنية ثم بقية الجنسيات الأخرى، هذه الأعداد المتزايدة من الحجاج غير النظاميين الذين يسعون إلى أداء هذه الفريضة كل عام دون الإحساس بأهمية احترام نظام الحج وتعليماته، مع أن أكثر من 70 في المائة منهم سبق لهم الحج أكثر من مرة، وبعضهم حسب الدراسات التي أجريت معهم سبق لهم الحج أكثر من عشر مرات وبعضهم تجاوز الثلاثين مرة.
إن الاستمرار في التهاون مع الأعداد المتزايدة من الحجاج غير النظاميين الذين مع الوقت سيزيدون على الحجاج النظاميين، يتطلب العمل على سرعة إعداد منظومة متكاملة من الإجراءات والإنشاءات والأنظمة التي تمنع الحج بدون تصريح والتشدد في ذلك، خصوصا مع الإخوة المقيمين ممن ثبت تورطهم الدائم في هذه المخالفات المسيئة لهم ولإخوانهم الحجاج النظاميين ولسمعة المملكة العربية السعودية والإسلام، وهم بهذا الفعل المشين يعطون المادة الدسمة لمن يرغب من غير المسلمين في الإساءة للإسلام من خلال بث الصور التي تظهر الإنسان المسلم وهو يؤدي هذه الشعيرة مفترشا الشوارع ونائما على المخلفات، وفي الوقت نفسه تعطي المرجفين الفرصة للإساءة لهذا الكيان العظيم المملكة العربية السعودية وجهودها في خدمة ضيوف الرحمن.
إننا اليوم ومن دون مجاملة لأحد في أمس الحاجة إلى وضع الأنظمة الواضحة والصريحة التي تعاقب كل مخالف لنظام الحج ومسيء لهذه الشعيرة العظيمة وهذا الدين الإسلامي السمح.
وفق الله الجهود لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل:

إليك إلهي قد حضرت مؤملاً
خلاص فؤادي من ذنوبي ملبيا
وكيف يرى الإنسان في الأرض متعة
وقد أصبح القدس الشريف ملاهيا
يجوس به الأنذال من كل جانب
وقد كان للأطهار قدسا وناديا
معالم إسراء، ومهبط حكمة
وروضة قرآن تعطر واديا

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي