إعادة تقسيم السوق .. لماذا؟

كثيرة هي الأشياء الصغيرة في عالمنا، لكن لبعضها تأثير لا تبلغه حتى الأشياء الكبيرة، خذ مثلاً عود الثقاب، وإبرة الخياطة، والهاتف المحمول، وغيرها كثير، وفي عالم التجارة هناك مصطلح المنشآت أو الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويقال لها ذلك تمييزاً عن الشركات الكبيرة، وهذه الأخرى برغم اسمها الصغير إلا أنها الشريان الحيوي لكل القطاعات الاقتصادية في أي دولة من دول العالم.
في مملكتنا العزيزة يوجد الكثير من تلك المنشآت أو الشركات الصغيرة المشار إليها، ونحتاج من أجل أن تكون ناجحة - لينجح معها الاقتصاد كله - إلى أن نتعرف إلى هذا القطاع ونصنِّفه، فنحن يصعب علينا أن نقوم بعمل برامج وخدمات لا نعرف من هو المستفيد منها، فللأسف يعيش القطاع في المملكة فوضى أبرزها غياب المعلومة، لكنك تسمع أو تقرأ أن الجميع يود أن يستثمر أو يخدم قطاع المنشآت الصغيرة ولا سيما المعروفون حديثاً بعنوان ''شباب الأعمال''.
إني اقترح في هذا المقال - وعلى عجالة - إعادة تقسيم السوق ليعود على الجميع بالفائدة، فهناك فرق بين المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وحسب التعريف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD تم اعتماد التعريف على عنصرين أساسيين، الأول: عدد الموظفين، والثاني: الدخل.
وبناء على ذلك، فإن تعريف المنشآت المتوسطة هي تلك التي يكون عدد الموظفين فيها بين ٥٠ إلى ٢٤٩ موظفاً، وقيمة المبيعات لا تتجاوز ٥٠ مليون يورو، أي ما يعادل تقريباً ٢٥٠ مليون ريال في السنة الواحدة، أما المنشآت الصغيرة فهي تلك التي يكون عدد الموظفين فيها بين ١٠ إلى ٥٠ موظفاً، وقيمة المبيعات لا تتجاوز ١٠ ملايين يورو أي ما يعادل تقريباً ٥٠ مليون ريال في السنة الواحدة، أما المنشآت متناهية الصغر فإن عدد موظفيها يبلغ أقل من ١٠ موظفين وقيمة المبيعات لا تتجاوز مليوني يورو، أي ما يعادل ١٠ ملايين ريال في السنة.
وبناء على هذا التعريف يمكن معرفة عدد المنشآت المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، فإذا كنا جادين فعلاً في تنويع الاقتصاد الوطني يجب أن نعمل على حزمة برامج لكل شريحة من هذه الشرائح لكي تؤدي دورها المطلوب والمسؤول.
من المهم أن تقوم وزارة التجارة بتصنيف السجلات التجارية حسب هذه الشرائح، ويكتب في السجل التجاري أن هذه المنشآت ضمن شريحة المنشآت الصغيرة أو متناهية الصغر وهكذا، وتجبر جميع المنشآت على فتح حسابات لها في البنوك، ويعفى أصحاب المنشآت المتناهية الصغر من الرسوم البنكية، ويعد هذا من واجب البنوك تحقيقاً لمعايير المسؤولية الاجتماعية.
وبعد أن نقوم بتصنيف هذه المنشآت على السجلات نقوم بعمل برامج تحفيزية لكل شريحة من الشرائح المذكورة، يساعدنا في ذلك الإنفاق الحكومي باعتباره الرافد الأساس للاقتصاد الوطني، وهو الذي يحرك عجلة الاقتصاد والتنمية، فعندما توضع تشريعات ضمن المشاريع الحكومية، مثل أن يصرف نحو ٢ في المائة للمنشآت متناهية الصغر و 4 في المائة للمنشآت الصغيرة و ٨ في المائة للمنشآت المتوسطة والباقي للمنشآت الكبرى والعملاقة، سنعزز دور هذه المنشآت في خدمة الاقتصاد الوطني.
في الجانب المقابل، هناك دور مهم يقع على عاتق المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الغرف التجارية من خلال العمل على تطوير كل شريحة ونقلها من شريحة إلى أخرى، بمعنى إذا كان لدينا ١٠٠ منشأة ضمن المنشآت متناهية الصغر يجب أن يكون هناك هدف لدى المسؤولين عن هذه المراكز بأن يستهدفوا على أقل تقدير ١٠ في المائة منها، ويرتقوا بها إلى الشريحة الثانية، وتحويلها إلى منشآت صغيرة، والحال نفسها مع المنشآت الصغيرة التي نأخذ ١٠ في المائة منها لنحولها إلى منشآت متوسطة، والمتوسطة كذلك، نأخذ ١٠ في المائة منها ونحولها إلى منشآت كبيرة، وبهذه الآلية يمكن أن نصنع شركات كبيرة يقوم على رأسها رجال وسيدات أعمال ورياديون جدد، كما لا نغفل أهمية وجود سوق لأسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وقد أفرد مقالاً مستقلاً عن هذا الموضوع مستقبلاً للأهمية.
وحتى ذلك الحين، أرجو أن لا تغفل ميزانية بلد الخير عن المنشآت الصغيرة والمتوسطة، لعله أن يكون لها نصيب في هذا الخير الوفير الذي يعود بدوره خيراً على مملكتنا الغالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي