حال المواطن.. والموازنة
عندما أعلنت الموازنة التي تعتبر الأكبر تاريخياً، من حيث الإيرادات والمصروفات على حد السواء، أول كلمة وردت على لساني كانت ''الحمد لله''، فالأرقام التي تحققت لعام ٢٠١٢ والمتوقعة لعام ٢٠١٣ تستحق الشكر من الله - سبحانه وتعالى -، لكني في نهاية اليوم تأملت فوجدت نفسي بين تيارين مختلفين حد التناقض.. الأول هو التيار الذي يثني على الموازنة وعلى ما أفرزته الموازنة وعلى المشاريع وعلى الآثار الإيجابية للإنفاق الحكومي على المواطنين... إلخ. وكان صوت هذا التيار طاغياً في وسائل الإعلام الورقية والفضائية.
الثاني هو التيار الذي يتذمر من الموازنة ويستفسر عن المليارات أين ذهبت؟ وعلا صوت هذا التيار عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت هنا وهناك، وفي بعض وسائل الإعلام الأخرى!
وهناك بعض من مزدوجي الشخصية، ولهم على الأقل وجهان، فهم يجاملون أو قل في الحقيقة ينافقون في وسائل الإعلام الرسمي، فهم شكلياً من التيار الأول، وفي المجالس الخاصة ينتقدون، فهم حقيقةً من التيار الثاني.
السؤال المهم الذي يطرح نفسه منذ خمسة أعوام مع تزايد الإنفاق الحكومي، هو: لماذا يشكو بعض المواطنين من الحكومة ومؤسساتها رغم تزايد الإنفاق على المشاريع والخدمات؟
سأتبرع بالإجابة عن هذا السؤال من خلال استقرائي ومخالطتي، وفيما يلي أبرز النقاط التي فرضت نفسها كمحاور رئيسية كإجابة لهذا السخط من شريحة ليست بقليلة في المجتمع:
- البطالة ما زالت مقلقة، ولم تسهم الموازنة في كبح جماحها، بل إنه في ظل هذه الموازنة الضخمة تفرض الرسوم كأدوات لتخفيض البطالة.
- غلاء الأسعار والتضخم الذي يتزايد بوتيرة لا تتناسب مع زيادة مداخيل المواطنين، ما أدى إلى تآكل الطبقة الوسطى في المجتمع.
- مخرجات التعليم الحكومي العام والعالي ما زالت غير مقنعة لأرباب العمل بمن فيهم المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، يتزامن ذلك مع تزايد الصرف الحكومي على التعليم.
- عدم قدرة كثير من المواطنين على الحصول على مسكن يأويهم، فزيادات أسعار الأراضي الفلكية غير المبررة في بلد بمساحة قارة، مستفزة لأي مواطن يسكن في شقة صغيرة مستأجرة، ولأي شاب يرغب في الزواج ويبحث عن بيت يأويه.
- صعوبة العلاج وطول رحلة البحث عن سرير لكثير من المراجعين للمستشفيات الحكومية، فضلاً عن تزايد الأخطاء الطبية وتكرارها.
- انتشار الحديث عن الفساد في المؤسسات الحكومية والخاصة وعدم التشهير بالمفسدين إلا في القليل النادر.
- عدم تنفيذ الأحكام، وهذه مشكلة يعانيها كثير ممن لجأ إلى شرع الله في المؤسسة القضائية لعرض مظلمته والبحث عن العدل المنشود، وبعد صدور الأحكام يكابد أنواع العناء للتنفيذ الذي قد يتأخر لسنوات.
بالنسبة لي هناك نقاط أخرى أراها مثيرة للجدل:
أولها - الاعتماد على الإيرادات النفطية، حيث بلغت ٩٢ في المائة من إيرادات الموازنة المقدرة، مع أن خطط التنمية كلها منذ 50 عاماً تؤكد أهمية تغيير هيكلة الإيرادات، بحيث يحدث التوازن بين الإيرادات النفطية والإيرادات الأخرى.
ثانيها - الزيادة الضخمة في المصروفات الفعلية عن التقديرية في عام ٢٠١٢، التي بلغت ١٦٣ مليارا، حيث تمت الإشارة إليها بشكل مقتضب، ولم تشملها الشفافية التي أمر بتطبيقها خادم الحرمين الشريفين في خطابه الأخير بمناسبة إعلان الموازنة.
ثالثها - سوء إدارة المشاريع الحكومية، حتى اليوم ما زالت المشاريع تدار بالطريقة ذاتها، حيث المبالغة في الصرف، التأخير في الكثير من المشاريع، ناهيك عن تعثر العديد منها بسبب ومن دون سبب.
ختاماً.. اقتراح الحلول في كثير من الحالات يكون أسهل حين يكون التشخيص واضحاً، والأعراض التي عرضناها أعلاه واضحة، والظاهرة التي نحن بصددها، وهي التفاوت الشديد بين حجم الإنفاق ورضا المواطن، ظاهرة تستحق أن نتوقف عندها، ومن الأهمية بمكان أن تتم دراستها للوصول إلى الأسباب الحقيقية لشكوى المواطنين، ومن ثم وضع الحلول لإنهائها مهما كانت النتائج مزعجة والحلول مؤلمة، لنصل إلى الشراكة الحقيقية بين الحاكم والمحكوم.