متى تكون الصراحة تجاوزا للحدود؟
سؤال طرحته على نفسي على مدى الأسابيع الماضية، خصوصا بعد لقاء الجمعة مع الأخ المبدع عبد الله المديفر على قناتي روتانا خليجية والرسالة وأتبعت اللقاء بمقال بعنوان ''الحكومة والإعلام بين الشفافية والمصداقية'' حاولت من خلال اللقاء والعديد من المقالات ومنها هذا المقال، وأيضا لقاءات متنوعة البحث عن إجابة لهذا السؤال المهم، وبعد اللقاء وتزايد الضغط علي للبحث عن إجابة فلم أوفق حتى وأنا أكتب هذا المقال، لأن الشعرة بين قول الحقيقة والصراحة الواجب قولها وبين الحقيقة والصراحة والمعلومة الواجب السكوت عنها أو عندها شعرة أصعب من شعرة معاوية، أو الشعرة التي بين المجاملة والنفاق.
وأنا أطرح هذا السؤال، وهو: متى تكون الصراحة تجاوزا للحدود؟ وتغضب الآخر وتجعل من الصراحة نوعا من الإساءة أو كشفا للمستور أو إحراجا للمسؤول، وأنا كما ذكرت أجد صعوبة حقيقية في الإجابة عن السؤال، وربما يكون هذا المقال الأول لي الذي أطرح فيه قضية أو رأيا أو مشكلة ولا أستطيع أن أقدم فيها رأيا أو حلا، ولهذا سأغوص في عمق السؤال بالمزيد من الأسئلة وأترك لكم مساعدتي على الإجابة عنه.
طبيعة العمل، خصوصا الشأن العام ومع التوسع والانتشار والاستعمال العام والشامل لرسائل التواصل الإعلامي والمجتمعي ووصول كل أحد لكل أحد، وتقديم النقد والتذمر والتجريح في كل عمل وعلى كل عمل من الأغلب إن لم يكن من الجميع أصبح الأمر يتطلب أن يكون المسؤول أو المتحدث أكثر صراحة ومصداقية ووضوحا فيما يطرحه ويناقشه حتى تكون الصورة أمام الجميع واضحة، خصوصا عندما تكون طموحات المواطنين أكبر وأشمل من قدرات المؤسسات العامة على تحقيقها سواء القدرات البشرية أو المادية أو النظامية أو أسلوب العمل أو نوع العاملين من رؤساء ومرؤوسين أو من غياب لبقية أدوار القطاعات الأخرى أو صفتها وعلى رأسها دور مؤسسات المجتمع المدني التي يمثل المواطن فيها الأساس والركيزة في العمل والتعاون وإنجاح الجهود وتعظيم الفائدة.
إن الطرح الصريح الصادق والمباشر وفقا لظروف المرحلة الحالية أمر لا مفر منه حتى لا تفقد الدولة ثم الحكومة مصداقيتها وهيبتها ويفقد المواطن الإحساس بالتفاؤل ويقود ذلك إلى نقد الأمل والأمن من مستقبل زاهر له ولأبنائه وأحفاده، وبما أن هذه المرحلة تتطلب الوضوح والشفافية والمصداقية والطرح الصريح الصادق، فإنها أيضا تتطلب وضوح الرؤية لمن يرغب في أن يكون كذلك ولمن يقيم مثل هذا التوجه حتى لا تتسع الفجوة بين الطرفين أو الفكرين أو الجيلين داخل المؤسسة العامة أو الحكومية، وتفقد بذلك هذه المؤسسة ما بقي لها من تقدير واحترام وهيبة في نظر المواطن أو المستخدم الأساسي لخدماتها.
لهذا فإن المؤسسة الحكومية بشكل خاص وبقية مؤسسات الدولة أو قطاعاتها بشكل عام يتطلب منها طرح هذا السؤال المهم والمحرج، والمطلوب خلال هذه المرحلة: ما الصراحة ودرجة الوضوح التي يجب أن يتحدث بها المعني في أي قطاع من قطاعات الدولة الخمسة، الحكومية، والخاص، والأكاديمي، والإعلام، ومؤسسات المجتمع المرئي؟ لأن إيضاح ذلك قضية في غاية الأهمية حتى لا تفقد السفينة بوصلتها وتضيع طريقها في محيطات من الآراء والأفكار والعقول المتلاطمة وحتى لا يفقد الكل مصداقيته وأمانته ثم نفقد جميعا وطننا شكلا ومضمونا.
إنني أطرح هذا السؤال حتى أعين نفسي أولا ثم كل باحث عن إجابة على حسن الإجابة والتعامل والتصرف دون فقد الهوية أو التعرض للنقد أو التجريح بسبب أو بدون سبب أو بمصداقية أو بسبب الحقد أو الجهل أو الحسد أو غيرها من الأمور التي لا تخلو منها العقول السليمة والمريضة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا تصبح المصداقية والشفافية ضررا على مصالح الوطن والمواطن تحت قاعدة ''ما كل ما يعرف يقال'' أو يناقش، على أساس أن هناك أمورا ذات طابع وحساسية مهمة وعالية لا تتحمل التطرق لها لأسباب عديدة سواء كانت وطنية أو أمنية أو اجتماعية أو حقوقية وغيرها من الأمور التي يتطلب الموقف أو الزمن أو الحدث عدم التطرق لها بشكل مطلق أو مؤقت.
إن الانفتاح الإعلامي والمجتمعي وتطلع الجميع لمعرفة كل شيء بمصداقية وشفافية عالية تتطلب الإجابة عن سؤال هذه المقالة وبما يحقق التوافق المجتمعي العام والرسمي بما يحقق ويعزز دور المواطن والمسؤول ويحمي الوطن من شر أبنائه قبل أعدائه.
وأخيرا أعلم أنه سؤال صعب ويتطلب التفكير خارج الصندوق وبأدوات جديدة تختلف عن الأدوات والفكر القديم أو البيروقراطي السلبي أو أصحاب مصطلح ''كلام جرائد''، لأن المرحلة الحالية والقادمة تتطلب فكرا يسابقها ويجب أن يسبقها، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وقفة تأمل:
''إذا كانَ دمْعي شاهدي كيفَ أجْحَدُ
ونارُ اشتياقي في الحشا تتوقَّد
وهيهاتَ يخفى ما أكنُّ من الهوى
وثوبُ سقامي كلَّ يومٍ يجدَّدُ
أقاتلُ أشواقي بصبري تجلداً
وقلبيَ في قيدِ الغرامِ مقيدُّ
إلى الله أشكُو جَوْرَ قَوْمي وظُلْمَهُمْ
إذا لم أجِدْ خِلاًّ على البُعد يَعْضُدُ''