تضامناً مع الدكتور عيسى الغيث

الخبر الذي نشرته صحيفة ''الاقتصادية'' في صفحتها الأولى هذا الأسبوع جاء واضحاً؛ الدكتور عيسى الغيث عضو مجلس الشورى، يتقدم بشكوى للمحكمة الشرعية ضد باحث في الشأن الإسلامي، بعد أن تهجم عليه الأخير في ''تويتر'' واتهمه بالتغريب والعلمانية.
الدكتور الغيث قامة فقهية وطنية عالية، حصد العلم من جامعة الأزهر وجامعة الإمام محمد بن سعود، وعمل مستشاراً قانونياً لوزير العدل، وقاضياً في المحاكم العامة والجزائية، وله مجموعة من الأبحاث والدراسات الفقهية والقانونية والفكرية والاجتماعية المهمة.
القصة باختصار أن الإعلام نشر ''خاطرة'' للغيث كتبها منذ سنتين أشار فيها بشجاعة وبلاغة إلى أن منع قيادة المرأة للسيارة بشكل عام ومطلق فيه مفاسد ''واقعة'' أي من فقه ''الواقع'' المشاهد، وذلك مثل اختلاء السائق بالنساء في المنازل والسيارات، وأن السماح للمرأة بقيادة السيارة ''ربما'' فيه مفاسد ''متوقعة'' أي من فقه ''التوقع'' القابل للوقوع وعدم الوقوع.
ثم اقترح الغيث حينها بحُسن نية أن نجرب قيادة المرأة في مدينة واحدة وبضوابط مقننة وحينئذ سنعرف الحق، ''فإن كانت المفاسد للقيادة أرجح فنحن مع المحرّمين وإن كانت المصالح للقيادة أرجح فنحن مع المبيحين''.
اتفقت مع توجّه الدكتور الغيث في مداخلتي في برنامج الزميل العزيز علي العلياني هذا الأسبوع، أن المنع للقيادة بشكل مطلق غير عادل، والسماح بشكل مطلق كذلك غير عادل، ولكن العدل هو وضع ضوابط شرعية وقانونية وأخلاقية للقيادة تُجَرَب ثم تُعَمَم. بمعنى آخر، لا داعي لكل هذه المعارك المفتعلة.
لم تكن هذه المبادرة الشجاعة هي الأولى، فقد أكد الشيخ عبد الله المطلق، أستاذ الفقه المقارن والقاضي السابق في محكمة حائل، أنه ''لا يوجد مسوغ شرعي يمنع المرأة من قيادة السيارة''. ليس هذا وحسب، بل اقترح المطلق عمل دراسة متكاملة يتم بموجبها السماح للمرأة بقيادة السيارة لدرء المفسدة للسائق الأجنبي في المجتمع السعودي.
هذه ليست دعوة للاصطفاف، ولكن كثرة المسيئين والشتامين في وسائل التواصل الاجتماعي على الإصلاحيين أصبحت ظاهرة خطيرة ولا يجوز السكوت عنها.
القذف الإلكتروني مرفوض بكل أنواعه، بل فرضت السعودية بحسب قانون مكافحة جرائم المعلوماتية عقوبة السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات وغرامة مالية لا تتجاوز ثلاثة ملايين ريال أو بإحدى العقوبتين، في حال ثبوت جريمة ''القذف''.
الشتائم التي تصل في وسائل التواصل الاجتماعي إلى حد تكفير الأشخاص والتحريض عليهم وتأليب الشأن العام لمجرد طرحهم فكرة للنقاش، ليس لديّ أدنى شك أن الظروف الخاصة بارتكاب هذه الجريمة جسيمة وخطيرة ولا يجب السكوت عليها.
أعلم تماماً أن هدف الدكتور الغيث من رفع هذه القضية ليس لمجرد الحق الخاص، وإنما ــــ كما قال ــــ لسن سنة حسنة في سبيل مكافحة هذه الظاهرة المتكررة.
حرمة الحياة الخاصة للإنسان كفلها الإسلام قبل قوانين الأرض.
*عضو جمعية الاقتصاد السعودية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي