الخطة الخمسية العاشرة (2 من 3)

تم التطرق في المقال السابق إلى أهمية تطوير النظرة التنموية المنطلقة مع القاعدة المعرفية لعرضها في كل منطقة وداخل كل منطقة بحيث تعمل الخطة الخمسية العاشرة للدولة المقرر البدء بها من عام 2016 إلى 2020 وفق رؤية أقرب لواقع التنمية ومتطلباتها، خصوصا مع النضج الفكري والإداري في المناطق. وتم في المقال السابق التأكيد على أهمية التنمية الإقليمية وتعزيز دور الإدارة المحلية، وأن تكون المشروعات التنموية لكل منطقة منطلقة من مجلس المنطقة، بحيث يطلب من كل مجلس الرفع بالبرامج والمشروعات المطلوبة لمختلف الجهات الحكومية وغيرها كحزمة تنموية واحدة، تمثل متطلبات التنمية وأولوياتها في كل منطقة، بدل أن تقوم كل وزارة أو قطاع بطلب مشروعاته وبرامجه بشكل منفرد، مما يعزز من الازدواجية، ويؤدي إلى تأخير المشروعات وسوء تنفيذها، وهذا يؤثر في مخرجات التنمية، ويصيب المشروعات بما أسميه المشروعات المنقوصة التي لا ترضي المسؤول ولا المواطن، وهذا سيكون موضوعنا الثالث في هذه الحلقات التنموية إذا أخذنا في الخطة الخمسية العاشرة بمفهوم التنمية الإقليمية الشاملة في المشروعات والبرامج، وعززنا دور ومسؤولية الأجهزة الإقليمية والمحلية وفقا لقاعدة "يرى الحاضر ما لا يرى الغائب"، فإننا نلتفت في الخطة العاشرة إلى الاهتمام بالمشروعات والبرامج الوطنية ذات التأثير الوطني على مختلف المناطق، وهو ما يجب أن تركز عليه الأجهزة المركزية، ويأتي منها- على سبيل المثال- توطين فرص التنمية القادرة على إيجاد فرص عمل لآلاف الشباب من الجنسين، خصوصا أننا ننشر اليوم الجامعات في مختلف المناطق والمحافظات، هذا الانتشار يتطلب أن يتزامن معه توطين فرص العمل, هذه الفرص تنبع من توطين التنمية التي سبق الكتابة عنها المتمثلة في تحويل مشروعاتنا الإنتاجية والخدمية والإنشائية إلى مشروعات ديناميكية، بمعنى أنها تتحول إلى مشروعات توطن فرص العمل مثل إنتاج البترول والطاقة والتحلية والقطارات والمنشآت الخرسانية وغيرها التي يتطلب الأمر تحويلها من مشروعات صماء إلى مشروعات توطن لمشروعات أخرى مثل إنتاج قطع الغيار والصيانة وبناء الكفاءات الإدارية والفنية في كل المستويات، وتكون منصة انطلاق إلى إنشاء شركات سعودية عالمية في مختلف المجالات، تستطيع المناقشة العالمية في المشروعات الدولية.
إن الخطة الخمسية العاشرة تعتبر مفترق طريق لتطوير مفهوم وأسلوب التنمية في المملكة من ناحية بناء الإنسان السعودي في كل المجالات، وتغيير النظرة السلبية عنا كمجتمع سلبي غير منتج وغير منافس، وكذلك تطوير المكان بما يضمن الارتقاء بالمكان في كل مجالات استعمالاته السكنية والتجارية والإدارية والإنتاجية، وهو ما يمكن أن تقدمه الخطة الخمسية العاشرة للدولة، وتحقق من خلاله أهدافها وأهداف الخطط الخمسية السابقة، ومنها تنويع مصادر الدخل والارتقاء بالإنسان السعودي فكرا وسلوكا وعملا, وتقديم النموذج السعودي المنتج الصالح الناجح للعالم أجمع، خصوصا أن العالم اليوم يعمل على تطوير الموارد البشرية كمصدر من مصادر قيادة العالم وتحقيق كل أنواع الكسب المشروع السياحية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والبيئية.
وعندما يكون تركيز الخطة الخمسية العاشرة على محوري التنمية الإقليمية والوطنية من خلال استخدام مواردها البشرية بحيث توجه الطاقات البشرية والإدارية والفنية في الأجهزة الإقليمية والمحلية نحو تطوير مناطقها وفق الاستراتيجية والرؤية الوطنية، وتعمل الأجهزة المركزية على بناء وتطوير وتنفيذ المشروعات والبرامج ذات التأثير الوطني غير المرتبط بالمحليات، فإننا بذلك نحقق التكامل التنموي الذي عجزنا عن تحقيقه خلال عقود من الزمن التنموي، صرفنا خلاله مليارات الريالات دون أن نحقق الفائدة المرجوة منه، وهي الفائدة التي تحقق رضا المسؤول وكذلك المواطن والمقيم، وتنقلنا من حالة التذمر والشكوى إلى حالة الإنجاز والتطوير، بما يخدم التنمية الوطنية ككل، وخيرها لكل مواطن في مقر إقامته بدلا من خلق حالة الهجرة العالية التي تعانيها المدن الرئيسة المكتظة والمدن المتوسطة والصغيرة من الفراغ، وهما عاملان لا يساعدان على تحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة، يؤديان إلى خلل تنموي ينعكس بشكل سلبي على كل مشروعاتنا، ما يجعلها مشروعات منقوصة. وللحديث بقية - إن شاء الله - وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء, عربي اللسان, إسلامي المعتقد وعالمي الطموح, والله من وراء القصد.

وقفة تأمل:

«فلا تمدحن الدهر ظاهر صفحة
من المرء ما لم تبل ما ليس يظهر
فما المرء إلا الأصغران : لسانه
ومعقوله والجسم خلق مصور
وما الزين في ثوب تراه وإنما
يزين الفتى مخبوره حين يخبر
فإن طرة راقتك منه فربما
أمر مذاق العود والعود أخضر»

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي