الأطفال يشاهدون برامج خيالية غير مربوطة بالواقع

الأطفال يشاهدون برامج خيالية غير مربوطة بالواقع
الأطفال يشاهدون برامج خيالية غير مربوطة بالواقع

حذر متخصصون في مجال إعلام الطفل من خطر ما تحدثه بعض القنوات الفضائية التي فشلت في تقديم برامج نموذجية للطفل من تأثير ما تبثه من برامج وأفلام كرتونية في فكر الأطفال وسلوكهم، في ظل ما تقدمه لهم من برامج، بأفكار خيالية لا تتعلق بواقعهم ومرحلتهم العصرية. وشدد الدكتور عيسى بن محمد القايدي عضو هيئة التدريس في قسم الاتصال والإعلام في جامعة طيبة المتخصص في مجال إعلام الطفل على الأهمية الكبرى لبرامج الأطفال التلفزيونية بشكل عام في مدى ما تحدثه من تأثير في فكر الأطفال وسلوكهم ومدى متابعة الأطفال للبرامج التلفزيونية التي تبدأ في سن مبكرة جدا، وهذا ما أثبته عديد من الدراسات العلمية ومنها جانب يتعلق بالمادة الإعلامية التي تقدم للأطفال والجانب الآخر والمهم أيضاً دور الأسرة في متابعة الأطفال لبرامجهم. وأضاف: "لنجاح برامج الأطفال التلفزيونية وتحقيق دورها الإيجابي في تنمية وبناء الأطفال - وهو للأسف ما يفتقده عديد من القنوات الفضائية - هناك عديد من العوامل المهمة والمؤثرة بشكل مباشر في تحقيق الأهداف المتوخاة من هذه البرامج، منها نظرة المسؤولين في هذه القنوات لبرامج الأطفال، فنجدها نظرة لا تتفق مع أهمية هذه البرامج واعتبارها برامج مكملة وليست أساسية، الغرض منها اشتمال لائحة البرامج على برامج الأطفال أو هي للتسلية فقط وليست لها أهمية قياساً ببعض البرامج الأخرى، ما ينعكس على الاهتمام والدعم الذي يقدم لهذه البرامج لتحقيق نجاحها، إضافة إلى افتقاد عديد من القنوات للمتخصصين في مجالي الإعلام والطفولة، وأثبتت بعض الدراسات العلمية الميدانية أن بعض القنوات لا يعمل ضمن طاقمها المخصص للأطفال أي متخصص في مجال الإعلام أو مجال دراسات الطفولة، وهذا بدوره يؤثر سلبيا في نوعية وجودة المحتوى المقدم للأطفال، وكذلك عدم قيام تلك البرامج بدورها المهم، والاعتماد بشكل كبير على الإنتاج الأجنبي في برامج الأطفال من منطلق التوفير والاعتماد على البرامج الجاهزة للأطفال، رغم تأكيد كثير من الدراسات العلمية للأفكار السلبية وغير المناسبة للأطفال في هذه البرامج لطبيعة الدين والثقافة والأخلاق والعادات بين المجتمع الذي ينتج هذه الأفلام والمجتمع الذي يشاهد هذه الأفلام، إضافة إلى ذلك نجد أن كثيرا من القنوات الفضائية ليس لديها أقسام خاصة ببرامج الأطفال، فهي تدمج غالباً مع برامج المرأة رغم التطور الكبير الذي تشهده برامج الأطفال، ومن العوامل التي ذكرها الدكتور القايدي عدم مراعاة اختلاف المراحل العمرية للطفل، فلكل مرحلة عمرية محتوى يتناسب معها وطريقة خاصة للتعامل معها، ولا ينفع التعامل مع الطفل بدون مراعاة ذلك، مشيراً إلى قلة مشاركة الأطفال في البرامج المخصصة لهم سواء من ناحية الإنتاج أو تقديم أفكار أو مشاركة بمختلف مجالاتها، مؤكداّ في الوقت ذاته أن العمل الجاد والعناية التامة بهذه البرامج سيؤدي إلى نجاح هذه البرامج وتحقيق دورها لهذه الفئة المهمة جدا في المجتمع.

#2#

وذكر فواز الحربي - معد ومقدم برامج أطفال - أن القنوات الفضائية تقدم للأطفال برامج خيالية ترفيهية لا تمس واقعهم بشيء، مشيراً إلى أن جانب الطفل مهمش في القنوات الفضائية التي تفتقد لبرامج أطفال تناقش واقعه وتحاكي ظروف مرحلته العصرية التي يعيشها. مؤكداً خطر تأثر الطفل بتلك البرامج التي تبني شخصية الطفل بطريقة خاطئة قد تدفعه للسلوكيات العدوانية أو الانطواء، نتيجة مشاهدتها لأوقات طويلة، إضافة إلى جذبها اهتمامه. وقال الحربي: إن بعض القنوات والبرامج أثرت حتى في اللهجة الأصلية للطفل، حيث بدأ بعض الأطفال يردد الأناشيد التي بثها بلهجة مكسرة كما أنشدها الأطفال بها.
وذكرت الدكتورة صفاء عبد الدائم في قسم دراسات الطفولة في كلية علوم الأسرة في جامعة طيبة، أن القنوات الفضائية أصبحت أهم الظواهر الإعلامية الثقافية التي شهدتها أواخر القرن العشرين. مشيرة إلى أن قنوات الأطفال أصبحت أمرا واقعا لا يستطيع أحد الهروب منه أو محاولة الوقوف أمامه، وقالت: إن بعض القنوات التي لا تخضع للرقابة تكمن خطورتها فيما تبثه من مواد إعلامية هادمة للقيم والتقاليد والأخلاق والثوابت الدينية، وزرع الميول إلى العدوانية والعزلة داخل الطفل، وهو ما تنتج عنه حالات الاكتئاب. وقالت: إن للتلفاز والبرامج غير الهادفة التي يبثها للأطفال آثارا كبيرة من الناحيتين الاجتماعية والنفسية للأطفال، منها تعطيل خيال الطفل واستسلامه للمناظر والأفكار التي تقدم له دون أن يشارك فيها فيغيب حسه النقدي وقدراته على التفكير، واستنفاد طاقات الأطفال الهائلة وقدراتهم على الحفظ في حفظ بعض الأناشيد والأغاني غير الهادفة، وتنمية حب المغامرة والمشاغبة والعدوانية في نفوسهم، كما أن بعض الأفلام الكرتونية التي يدمن الطفل على متابعتها يؤدي إلى سلوك إجرامي.
ويبدو أن القنوات الخليجية والعربية لم تستمع لنصيحة والت ديزني صاحب أكبر شركة ترفيه وإعلام، الذي قال يوما "عندما تفعل أي شيء فلتفعله بإتقان، لأن الناس سيعودون لك مجددا ويحضرون غيرهم لرؤية ما تفعله"، الذي أكد أن "عالم ديزني لن يكتمل يوما وسيستمر في التطوير والنمو طالما بقيت الحياة على وجه الأرض". فبحسب دراسة حديثة أعدها جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج وحصلت "الاقتصادية" على نسخة منها، ما زالت برامج الأطفال في القنوات الخليجية ليست ذات أهمية، حيث يتم إلغاؤها أو تأجيلها أو تغيير مواعيدها دون إعلام مسبق، وتبين الدراسة أن برامج الأطفال المستوردة ما زالت تتفوق على البرامج المحلية، من التنوع في المضمون إلى استخدام الخيال العلمي والمعالجة الفنية المتطورة. وتؤكد الدراسة أنه على الرغم من نسبة الطفولة الكبيرة في المجتمعات الخليجية حيث تصل نسبتهم في عمان إلى 36 في المائة وفي السعودية 35 في المائة وفي البحرين 23 في المائة وفي قطر 23 في المائة وفي الكويت 21 في المائة وفي الإمارات 13 في المائة، ما زالت برامج الأطفال دون المستوى المأمول، وما زال الاعتماد على برامج مستوردة من دول نسبة الطفولة لديهم أقل وثقافاتهم تختلف عن مجتمعاتنا. وتكشف الدراسة أن السعودية (باستثناء قناة أجيال) المخصصة من عمر 7 -15 عاما، جاءت في المرتبة ما قبل الأخيرة بتخصيص ثلاثة برامج للأطفال فقط في القناتين السعوديتين الأولى والثانية، بينما احتلت قناة قطر المرتبة الأولى في تقديم برامج الأطفال، حيث تقدم 12 برنامجا، تليها قناة الشارقة بتقديم تسعة برامج، ثم قناة سما دبي ثمانية برامج، ثم قناتا أبو ظبي والكويت الثانية حيث تقدمان خمسة برامج للأطفال، تليهما قنوات الكويت الأولى والبحرين وعمان، وتقدم أربعة برامج لكل منها، ثم قناة السعودية الثانية ثلاثة برامج فقط، وجاءت في المرتبة الأخيرة قناتا رأس الخيمة والفجيرة ببرنامجي أطفال فقط.
وتبين الدراسة أن إجمالي الدقائق المخصصة لبرامج الأطفال في الأسبوع في القنوات السعودية (ما عدا أجيال) 530 دقيقة والكويت 1800 دقيقة وقطر 1320 دقيقة وأبو ظبي الإمارات 1425 دقيقة وسما دبي 1175 دقيقة وفي المرتبة الأخيرة كانت الفجيرة 450 دقيقة فقناة رأس الخيمة بمتوسط 300 دقيقة في الأسبوع فقط. وتحتل القضايا العلمية والثقافية النسبة الأكبر في المواضيع التي تقدمها البرامج بنسبة 33 في المائة، ثم المواضيع الاجتماعية بنسبة 22 في المائة، فالمواضيع الخيالية بنسبة 12 في المائة، فالترفيهية بنسبة 8 في المائة، والمنوعة بنسبة 19 في المائة، وتأتي المواضيع الفنية والرياضية بنسبة 3 في المائة لكل منها. وكان للمسلسلات الكرتونية النسبة الأكبر من أشكال البرامج، رغم أنها كلها مدبلجة، حيث شكلت نسبتها 59 في المائة، واحتلت البرامج الحوارية 15 في المائة و13 في المائة للمسابقات و8 في المائة للمجلة المتنوعة و3 في المائة للأفلام و2 في المائة للمسرحيات. وبالنسبة للغة المستخدمة فإن اللغة العربية الفصحى كان لها النصيب الأكبر بنسبة 62 في المائة، فاللغة العامية 23 في المائة واللغة الإنجليزية نسبة 15 في المائة فقط. ويشير دكتور يوسف الفيلكاوي الحاصل على درجة دكتوارة في الإخراج التلفزيوني من جامعة كارولينا إلى أنه على الرغم من أن قناة أجيال أنشئت منذ أربع سنوات، وتنتج 60 في المائة من برامجها إلا أنها تعتمد على البرامج الحوارية والمسابقات أكثر من مسلسلات الكرتون والأفلام التي تشد الأطفال أكثر. قائلا: إنه على الرغم من أن التلفزيون هو الوسيلة المفضلة للأطفال إلا أن القنوات الخليجية لا تعطي الاهتمام الكافي لبرامج الأطفال، كما يغيب المضمون الديني بين البرامج المقدمة للأطفال، وتعتمد على برامج مستوردة تتم ترجمتها باللغة العربية الفصحى إلا أنها من بيئة وثقافة تختلف عنا. وطالب في حديثه بالاهتمام بالمضمون الديني وزيادة الاعتماد على الأطفال في تقديم برامجهم، فمثلا قناة "طيور الجنة" نجحت لاعتمادها بشكل أكبر على أطفال، مشددا على أهمية زيادة الدعم المحلي الخليجي المشترك لبرامج الأطفال لتتمكن من منافسة البرامج الأجنبية التي ما زالت تتفوق من حيث التنوع واستخدام الخيال العلمي والمعالجة الفنية وغزارة الإنتاج، إضافة إلى إنشاء فقرات تحث على الإقبال على الأعمال المهنية والحرفية والمساعدة على الابتكار والمعرفة العلمية وتنمية المواهب ليس فقط في مواهب الغناء مثل برنامج (ستار صغار)، بل في علوم الكمبيوتر والاختراع والمعرفة العلمية.

الأكثر قراءة