إلى أين تتجه أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية؟
يعتبر نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي الأعلى بين مصادر الطاقة. فبحسب تقرير شركة بريتش بتروليوم الإحصائي الأخير نما الاستهلاك العالمي للغاز ما بين 2011 و2012 بنحو 2.5 في المائة. وانعكس هذا النمو المتسارع في الطلب على الغاز الطبيعي على حصة الغاز في مكونات مصادر الطاقة فبعد أن بلغت نسبة الغاز الطبيعي في مجمل الطاقة المستهلكة في عام 2010 نحو 21 في المائة، بينما تتوقع وكالة الطاقة العالمية أن يستحوذ الغاز الطبيعي على 25 في المائة من مكونات الطاقة في العالم بحلول 2035. ويبقى الغاز الطبيعي المصدر الأنظف والأمثل لتوليد الطاقة ولا يمكن مقارنته بالفحم الحجري الذي يصدر انبعاثات كربونية أكثر بنحو 60 في المائة من الغاز الطبيعي. وهذه الانبعاثات الكربونية سوف تؤدي في المستقبل إلى ارتفاع أسعار الفحم، فعلى سبيل المثال من المتوقع أن تصل التعرفة الضريبية على طن الكربون المنبعث من حرق الوقود في عام 2030 في الدول الصناعية إلى 60 دولارا وهذا ما سيجعل الغاز أفضل وأرخص من الفحم بمراحل. وأما بالنسبة لمقارنته بالطاقة النووية فيبقى الغاز الطبيعي أرخص منها، إضافة إلى الرفض الشعبي خاصة في أوروبا واليابان للطاقة النووية النابع من الخطورة الكبيرة، أما بالنسبة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح فيتفوق الغاز عليهما بالتكلفة.
وقارنت شركة إكسون موبيل تكلفة إنتاج الكهرباء ''كيلووات ساعة'' في أمريكا في عام 2012 فوجدت أن تكلفة الطاقة الشمسية أكثر من 13 سنتا والرياح تسعة سنتات والطاقة النووية 8.5 سنت، أما الغاز والفحم فتمت المقارنة على اعتبار أن سعر التعرفة الضريبية على طن الكربون المنبعث 60 دولارا فوجدت أن سعر الكهرباء من الغاز 7.5 سنت ومن الفحم 11 سنتا، ولهذه الأسباب يزداد نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي بوتيرة ثابتة.
وقد استهلك العالم بنهاية العام الماضي نحو 3310 بلايين متر مكعب من الغاز الطبيعي وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى عند 20 في المائة تليها روسيا 15 في المائة وإيران والصين واليابان وكندا ثم المملكة عند 3 في المائة من إجمالي الاستهلاك العالمي، ويتوقع أن يرتفع الاستهلاك العالمي بحسب وكالة الطاقة العالمية في 2040 ليصل إلى 5240 بليون متر مكعب وهذا يعني أن الاستهلاك سيزيد بنحو 58 في المائة خلال 25 سنة، ولا يوجد أي مصدر آخر للطاقة سيزيد استهلاكه بالنسبة نفسها وهذا ما يجعل الطلب على الغاز الطبيعي فريدا من نوعه. أما الفحم فهو مصدر رئيس للطاقة في الصين وأمريكا والهند وأستراليا وسيزيد إنتاج الفحم من 8.5 بليون طن إلى 11.5 بليون طن في عام 2040 بزيادة تقدر بنحو 40 في المائة ''الصين وأمريكا والهند تستهلك نحو 70 في المائة من إجمالي الاستهلاك العالمي للفحم''.
وينبغي أن نشير هنا إلى أن دول الخليج قد بدأت الاهتمام بالفحم الحجري لانخفاض تكلفة إنتاج الكهرباء منه وفي هذا الصدد أعلنت هيئة كهرباء دبي أخيرا اعتزامها إنشاء محطة توليد للكهرباء بطاقة 1200 ميجاواط تعمل بالفحم الحجري النظيف ليكون هذا المشروع أول مشروع من نوعه في منطقة الخليج.
#2#
أما أسعار الغاز الطبيعي فتختلف في كل بلد بالعالم وتتراوح ما بين 17 دولارا للمليون وحدة حرارية للغاز المسال في اليابان إلى 0.75 دولار في السعودية، كما تختلف أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا وأمريكا أيضاً، حيث تأثرت الأسعار في الولايات المتحدة كثيراً بوفرة إنتاج الغاز الصخري وانهارت لتصل لأقل من دولارين في نيسان (أبريل) من العام الماضي، إلا أنها استعادت بعض عافيتها وهي تتداول حالياً في مستوى 3-4 دولارات للمليون وحدة حرارية. وتوقع البنك الدولي أن ترتفع هذه الأسعار في أمريكا في 2025 إلى حدود ستة دولارات، وهذا التوقع مدعوم بتصدير الوفرة من إنتاج الغاز الصخري لأوروبا وآسيا، ولا سيما أن الحكومة الأمريكية قد وافقت الآن على إقامة ثلاثة مشاريع لتصدير الغاز الطبيعي المسال من أمريكا لباقي العالم، وسوف تستقطع هذه المشاريع نحو 10 في المائة من إنتاج أمريكا من الغاز، ما قد يعيد بعض الثقة لمنتجي الغاز الصخري بعد أن حولوا بعض حفاراتهم لإنتاج السوائل الأغلى والأثمن. ويعتبر عدد الحفارات وزيادتها أو نقصانها مؤشراً مهماً يعكس مدى الحركة والنشاط على إنتاج النفط أو الغاز وبالطبع كلما زاد عدد الحفارات ارتفعت قيمة المنتج أو سعره، وهذا يدل على أن زيادة عدد حفارات الغاز الطبيعي مرتبطة بزيادة شهية المستثمرين في استخراج الغاز والعكس صحيح وغالباً ما يقارن عددها بعدد حفارات النفط.
وتثور مقارنة بين أعداد حفارات النفط وحفارات الغاز في أمريكا، ففي شهر حزيران (يونيو) من عام 2008 وصلت أسعار الغاز الطبيعي لمستويات خيالية وتعدت حاجز 13 دولارا للمليون وحدة حرارية، ولذلك كان عدد حفارات الغاز في تلك الفترة يفوق حفارات النفط بأربعة أضعاف، ولكن مع زيادة إنتاج الغاز الطبيعي من المصادر الصخرية انخفض سعر الغاز وبالتالي انخفضت أعداد حفارات الغاز لتتساوى مع حفارات النفط في منتصف عام 2011، حيث وصلت أسعار الغاز الطبيعي إلى 4.6 دور لكل مليون وحدة حرارية، ومع ازدياد إنتاج الغاز الطبيعي في أمريكا انهارت الأسعار ولم يعد استخراج الغاز يجدي نفعاً فتحولت معظم الحفارات لاستخراج النفط والسوائل.
ويعد انخفاض أعداد حفارات الغاز في الولايات المتحدة دليلاً على عدم رضا الشركات المنتجة للغاز الطبيعي التي أصبحت تقول إن الأسعار الحالية أصبحت غير مجدية وبذلك حولت استثماراتها إلى إنتاج السائل الأغلى، وفي هذا الإطار أعربت كل من شركة إكسون موبيل وشركة شل عن عدم ارتياحهما لتدني سعر الغاز الطبيعي في السوق الأمريكي، ما انعكس على انخفاض أرباحهما الفصلية بشكل كبير في الربع الثاني للعام الحالي.
ويؤدي الاستمرار في انخفاض أسعار الغاز الطبيعي وعدد حفارات الغاز في أمريكا بلا شك إلى تدني الإنتاج وبالتالي إلى رفع الأسعار على المدى المتوسط، ويوجد سبب آخر لتوقع البنك الدولي لارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا وهو ازدياد استهلاك الغاز في توليد الطاقة بديلاً عن الطاقة النووية والفحم الحجري والتسارع الكبير في استخدام الغاز كوقود لوسائل النقل، ما سيزيد الطلب على الغاز الطبيعي.
أما بالنسبة لأسعار الغاز المسال، فلا بد من الإشارة إلى أن هذه الصناعة تشهد تطورات كبيرة تتمثل في ارتفاعات غير مسبوقة في الطاقة الإنتاجية، وعلى الرغم من نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي منذ عام 2000 بنسبة 2.5 في المائة سنوياً إلا أن نمو الطلب العالمي على الغاز المسال يصل إلى نسبة 7.6 في المائة لنفس الفترة وهذا يعني أن الطلب العالمي على الغاز المسال ينمو أعلى بثلاث مرات من نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي، وذلك لسهولة تبادله وتجارته من أي مكان في العالم مقارنة بمد أنابيب الغاز الطبيعي.
وقد بدأت أول عملية تجارية لصناعة وتصدير الغاز المسال في الجزائر في عام 1964، إلا أن الكميات الكبيرة التي تنتجها قطر غيرت كثيراً في هذه الصناعة إذ تنتج قطر حالياً 77 مليون طن سنوياً وهذا يقدر بنحو ثلث الإنتاج العالمي. ويبلغ الإنتاج العالمي الحالي نحو 240 مليون طن سنوياً وتبلغ طاقة المشاريع المعلنة حتى 2025 نحو 350 مليون طن سنوياً أي أن الطاقة الإنتاجية ستتضاعف على أقل تقدير خلال عشر سنوات، وستأتي هذه المشاريع الكبرى من أستراليا ومن أمريكا الشمالية وبعض الدول الإفريقية. وستضغط وفرة إنتاج الغاز المسال على الأسعار بلا شك، لأن النمو في الإنتاج أكثر بمراحل من نمو الطلب العالمي، ولذلك يتوقع أن تنخفض أسعار الغاز المسال في المستقبل القريب بمعزل عن أسعار النفط العالمية، وقد تستقر عند 14 دولارا للمليون وحدة حرارية.
ويبقى السؤال عن مدى استطاعتها ملازمة أسعار النفط. وحيث افترقت أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا عن أسعار النفط فهل تفترق أسعار الغاز المسال عن أسعار النفط أيضاً مع الوفرة القادمة في الإنتاج؟
وفي هذا الصدد ذكرت نشرة Platts المتخصصة في الغاز المسال في 26 آب (أغسطس) الماضي أن مسؤولين يمنيين سيزورون كوريا الجنوبية من أجل التفاوض على رفع سعر الغاز المسال اليمني المصدر إلى كوريا الجنوبية من ثلاثة دولارات إلى 14 دولارا للمليون وحدة حرارية، وهذا يدل أن ما تم توقيعه منذ سنين خلت قد حان الوقت لتصحيحه لما فيه مصلحة الاقتصاد اليمني، أما في أوروبا فجرت العادة أن تكون أسعار الغاز الطبيعي ما بين الأسعار في أمريكا وأسعار الغاز المسال في اليابان وكوريا الجنوبية، لذلك فالتوقع أن تستقر ما بين 10-11 دولارا للمليون وحدة حرارية وهو توقع معقول ويثبت تماسك الأسعار في أوروبا.
وتخضع أسعار الغاز الطبيعي في بلدان الخليج العربي لاعتبارات أخرى، حيث تسعى الحكومات لإبقاء الأسعار منخفضة عند نحو 0.75-1.5 دولار للمليون وحدة حرارية بقصد دعم الصناعات المختلفة وأيضاً دعم قطاع توليد الطاقة. وقد بدأت العديد من دول الخليج أخيرا باعتماد سياسات جديدة لتوليد الطاقة، بسبب نقص الغاز الطبيعي المولد الأمثل للطاقة وحتى لا تضطر لحرق النفط الخام أو الديزل الثمين وفي هذا الصدد قامت الكويت والإمارات باستيراد الغاز الطبيعي المسال بغرض توليد الطاقة كما أن دبي سوف تقوم باستخدام الفحم. وتشير كثير من الدراسات إلى أن منطقة الخليج العربي مرشحة لاستيراد كميات أكبر من الغاز المسال في المستقبل، نظراً لاستهلاكها الكبير للكهرباء، خاصة في فترة الصيف، لذلك فقد تضطر بعض دول الخليج، خصوصاً في فصل الصيف إما إلى شراء الغاز المسال بنحو 12-15 دولارا للمليون وحدة حرارية لتوليد الطاقة والكهرباء أو تلجأ لحرق النفط الذي تبلغ قيمة المليون وحدة حرارية منه نحو 16 دولارا فتكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، لذلك فإن ترشيد الاستهلاك ومراجعة أسعار الغاز الطبيعي في دول الخليج العربي أصبح واجباً من أجل التخطيط لمستقبل خال من وجود نقص في توليد الطاقة.