حسن عبد السلام شيخ المخرجين وظَّف موهبته للابتكار
رحل شيخ المخرجين المسرحيين حسن عبد السلام، هذه القامة العالية التي أثرَت المسرح العربي بعديد من الإبداعات الفنية التي ما زالت إلى وقتنا هذا علامة مُميزة وفارقة في تاريخه، رحل وفقده الفن عن عمر يُناهز 87، لكن أعماله خالدة تتحدث عنه سواء في المسرح العام أو الخاص. هذه الأعمال التي جمعت بين فنون التراجيديا والكوميديا وإبداعات المَلحَمات الشخصية، الذي يعتبر من الأوائل مِمن أدخلوها إلى المسرح المصري، ولطالما نادى كثيراً بالعناية بالكُتاب وتذليل العقبات أمامهم واجتذابهم لكتابة نصوص ثَرية، التي بدورها تخلق روحا متجددة للمسرح حتى يبقي كلمته هي المؤثرة دائماً في نفوس رواده، وحَمل مسؤولية الإهمال بكل شجاعة للقيادات المسرحية التي لم تَعتن بالمؤلفين والكُتاب الذين هجروا المسرح إلى السينما والتلفزيون نتيجة الأجور المتدنية والميزانيات الفقيرة، فقد سبق أن صرح بأن المسرح ذبح نفسه بعد دخول المُنتجين التجار في صناعته وهمهم الوحيد هو المكسب ولا شيء سواه، على حساب القيمة والرسالة والمضمون.
حسن عبد السلام الذي يعد بحق يوسف شاهين المسرح المصرى، كان المسرح شُغله الشاغل وعشقه الوحيد، اعتبر نفسه مخرجاً متمرداً، وأن ما يحدد له المنهج الإخراجي الذي يسير عليه فقط هو موضوع المسرحية ونصها المُتقن، فهو ليس لديه منهجية ثابتة ومحددة للإخراج على أساسها، بل يطوع موهبته بما يفرضه عليه النص، لذلك كانت له بصمته التي تُميزه في كل عمل من أعماله، والتي لم تشبه بعضها بالقريب أو بالبعيد، فكل مسرحياته مُتفردة في الشكل والمضمون ويتحدث كل عمل عن نفسه بمجرد ذكر اسمه.
حسن عبد السلام الذي لم تنشغل الصحافة يوما بحياته الشخصية بقدر انشغالها بأعماله الفنية، وهو الذي ولد في 27 مارس عام 1927، والتحق بالمعهد العالى للفنون المسرحية عام 1949 ووهب حياته للمسرح، وله أكبر رصيد من الأعمال في تاريخ المسرح المصري على مدار 60 عاماً هو عمره الفني. تزوج ثلاث مرات الأولى من خارج الوسط الفي، والزيجة الثانية كانت من الفنانة هدى سلطان، والزيجة الأخيرة من خارج الوسط الفني، وتَقلد الراحل حسن عبد السلام عدة مناصب بداية من مفتش للمسرح المدرسي بوزارة التربية والتعليم، ثم مخرج ومشرف للفرق النموذجية لمصلحة الفنون عام 1955، ومدير مسرح الثقافة الجماهرية عام 1968، ومدير المسرح الحديث عام 1974، ومدير عام المسرح الغنائي عام 1975، ثم رئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية عام 1979، وقد كانت له مُساهمات في المشروعات التي تبنتها الدولة مثل مسرح السامر ومسارح القرى من النوبة جنوباً إلى مرسى مطروح شمالاً، والفرق النموذجية للثقافة الجماهرية، ومشروع الفنان الشامل لفرقة الآلات الشعبية، وكان له عديد من الإضافات لفنون المسرح، فهو أول من قدم الكوميديا الموسيقية في مصر ''مسرحية سيدتي الجميلة'' بطولة الفنان الكبير فؤاد المهندس والنجمة شويكار، وأول من قدم فكرة المسرح الآسيوي في مصر ''مسرحية راشومون''، وأول من قدم الملحمة الشعبية في مهرجان دولي ''مسرحية أيوب المصري'' التي عرضت على مسارح باريس وموسكو، وأول من قدم الكوميديا السوداء الموسيقية ''مسرحية طبيخ ملائكة'' لثلاثي أضواء المسرح. هذا هو حسن عبد السلام المخرج المتجدد الرائع الذي أخرج العشرات من الأعمال الكوميدية، من أشهرها المتزوجون، أهلاً يا دكتور، أخويا هايص وأنا لايص، فارس وبني خيبان، رصاصة في القلب، وآخر أعماله ''ربنا يخلي جمعة'' للفنان أحمد آدم.
يذكر أن 360 مسرحية هي مجمل أعمال الراحل الذي يعتبر رائد المسرح الفني الاستعراضي في مصر عن جدارة، حيث طور هذا اللون المسرحي بما لديه من حلول إخراجية كان يبتكرها هربا من ضعف الميزانيات والتمول لهذا اللون المكلف من فنون المسرح، كما أسس الراحل المسرح الاستعراضي في بعض الدول العربية.
هكذا عاش واحد من الأوائل والرواد ورحل عن عالمنا ليظل دائماً في ذاكرتنا وذاكرة المسرح العربي بأعماله الخالدة - رحمه الله - فهو علامة مضيئة في تاريخ المسرح العربي، وليكن هناك من الجيل الجديد من يكمل المَسيرة لهؤلاء، حتى يظل المسرح العربي الرمز الصامد أمام العقبات والتحديات.