وا لغتاه !

كنت في مجلس أتحدث إلى شابين أحدهما في المرحلة المتوسطة، والآخر في المرحلة الثانوية فقلت لهما : كيف هو حال اللغة العربية في المدرسة، فقالا لي : عن إي لغة عربية تتحدث قلت : التعبير، المطالعة، الإملاء والقواعد وغيرها، قالا : هي الآن لها عدة أسماء، لغتي والجميلة والخالدة وكفايات، ثم ابتسما بمكر معا وقالا : ليس هناك اختبارات بل تقويم مستمر! فقلت لهم : أسماء المقررات جميلة، ولكن بيت القصيد هو في المحتوى.

إن كل بلد يفتخر بشيء مميز يملكه، بعضهم بالبناء والصرح المشيد، وبعضهم بالصناعة، وبعضهم بالأدب والفن، والبعض الآخر بالزراعة، ونحن منذ زمن بعيد نفتخر بلغتنا العربية فقد قيل عنها : "أنها ولدت كاملة النمو والنضج"، وتستطيع أن تستوعب كل المصطلحات العلمية والأدبية الحديثة و القديمة، وتعربها وتهضما. فقد استوعبت من قبل كلمات مثل الفردوس والبستان وأصلها رومية، والإستبرق والسندس وأصلها فارسية، والأرائك وهي حبشية الأصل، وغساق وأصلها تركية، وغيرها كثير جدا.

إن اللغة العربية هي الأولى بين اللغات بلا منازع في المخارج والقواعد والقياس والأوزان، وتستطيع أن تتفوق على أي لغة أخرى حية أو ميتة بسهولة، يقول الطنطاوي رحمه الله، وقد درس اللغة الفرنسية ودرّسها (وهي لغة الحب والفن والجمال كما يصفونها) "إن اللغة العربية تأتي أولا، والمركز الثاني والثالث شاغر، والمركز الرابع للفرنسية والألمانية، وأما الإنجليزية، فتأتي متأخرة".

نحن لا نشكك في أهمية تعلم اللغات الأخرى الضرورية لمجارة التطور في المجال العلمي والصناعي والاقتصادي، ولأن اللغات الأخرى أصبحت الأقوى على أرض الواقع! فقد كانت اللغة العربية يوما هي لغة الصناعة والحضارة، وعلى الآخرين أن يتعلموها، ولكنها سنن الحياة وتقلباتها.

وقد يزعم قائل أن إضافة مواد إلى المناهج الدراسية قد يشكل عبئا إضافيا على الطالب، ولا أعتقد أن ذلك صحيح، فجيلنا الذي تعلم في الثمانينيات والتسعينيات قد تحصل على فرصة لتعلم اللغتين معا، اللغة العربية والانجليزية، وقد تخرج منا أجيال يجيدون اللغتين، منهم المهندسون والأطباء وأساتذة في الجامعات، ولذلك التخفيف من دروس اللغة العربية ليس عذرا، بل لابد من عودة الإملاء والمطالعة والقواعد والتعبير وغيرها، ولكن بطابع حديث ومحبب، وليس مختصرا في كتاب واحد. إن الدراسات العلمية تؤكد أن الصغار لديهم الاستطاعة أن يتعلموا لغتين أو أكثر أسرع وأفضل من الكبار.

وليس هناك أي تعارض في أن نطور مناهج التعليم بما يتناسب مع العصر العلمي، ولكن ليس على حساب إتقان اللغة العربية، فكلهما التطوير العلمي واللغة يمكن أن يستوعبوهما عقل الطلاب، والعلم الحديث أثبت أننا لا نستخدم إلا فقط عشرة بالمائة من إمكانيات المخ.

اللغة هي اللبنة الأساسية لبناء أي حضارة ، ولا يمكن أن نبي حضارة لنا باستخدام لغة غيرنا. و أعيد عليكم مقالة مدير مدرسة ابتدائية في إحدى قرى فرنسا، حين سمع بالزحف الألماني لاحتلال بلادهم، إذ قام بجمع طلابه في فناء المدرسة، وأخبرهم بأن هذه ربما تكون آخر خطبة يسمعونها منه فقال : إن الألمان لن يستطيعوا أبدا أن يحتلوا بلادنا إذا حافظنا على لغتنا.

إن ما نخشاه أن يأتي جيل يتحدث اللغة الانجليزية أو الفرنسية بطلاقة أكثر من العربية، وما تجربة بعض الدول العربية عنا ببعيد ، فبضعهم يتحدث اللغة الفرنسية خير من أبنائها، ولكنه يتعتع كالسيارة القديمة في اللغة العربية.

اللغة العربية هي لغة القران ولن تضيع اللغة أبدا، ولكني أخاف أن نضيع نحن ! .. فوا لغتاه

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي