فيصل القاسم يجيد دور الحكيم في فض الاشتباكات
يتنبأ مشاهدو قناة الجزيرة مسبقا مع بداية كل حلقة من برنامج الاتجاه المعاكس، الذي يقدمه الإعلامي فيصل القاسم بما سيدور فيها، وذلك بعد التعرف على الضيوف لأنهم أصبحوا فَتيل الاشتعال لأي نقاش وهم بدورهم لا يقصرون بل يزيدون من حدة هذا السجال أكثر ويتبارون على لعبة التراشق بكل ما أوتي لهم من قوة، هكذا هي حلقات هذا البرنامج المثير الذي اعتاد أن يقدم وجبة مليئة بالصراعات وعدم الحيادية لدرجة أن المادة المطروحة للنقاش تضيع وتتوه وسط هذا الكم من العدائية، ولن ننسى طبعا العبارات المعتادة من المذيع، تلك الكلمات التي صارت معروفة بل محفوظة في عقل المتابع الذي لا حول له ولا قوة، فمن منا لا تدوي عبارة "دقيقة أعطني فرصة، اسمعني شوي، أخي اهدأ" في أذنه كل حلقة؟ وغيرها الكثير ممن يظل يردده طوال الحلقة لدرجة التوسل من ضيوفه لعله يضبط الحوار قليلاً بعد خروجه عن المألوف، فهل أصبح حال برامجنا التي تهتم بالواقع العربي بهذه الطريقة المزرية؟ أسئلة كثيرة يجب الإجابة عنها ولكن لا يوجد من يجيب حتى برنامج الاتجاه المعاكس الذي يهتم بالحوارات التي تعرض وجهات نظر مختلفة على حد قول القائمين عليه، ولو صادف وطرح البرنامج هذا الموضوع للنقاش على طاولة الحوار فلن يجد حلا وسيجد فقط اتهامات بالجملة لكثير من الأطراف، وسنرى بأم العين الكل يتنافس للنيل من الآخر قبل نهاية الحلقة التي يعتبرها كل طرف فرصته للأخذ بالثأر من الطرف المقابل حتى تحول البرنامج الذي بدأ عرضه من سنوات إلى حلبة لصراع الديوك ولم تعد هناك مساحة لطرح وجهات النظر بالطريقة اللائقة، هذا ما ظهر بطريقة أكثر فجاجة في بعض الحلقات من البرنامج التي وصل فيها حد الصراع إلي الرشق بالماء وقيام كل طرف بسب الآخر بأفظع الألفاظ والشتائم التي لا يمكن أن تُقال حتى داخل الحانات ومن أفراد بينهم أشد أنواع العداء فما بالك بما نراه على العلن وأمام العدد الكبير الذي يشاهد البرنامج خاصة لو كان البرنامج متابَعا من قبل جلسات عائلية تلتف حول شاشته لتتلوث أذنها بهذا القبح والرداءة وكل ما يفعله المذيع هو تهدئة الوضع ببعض كلمات ذكرناها سابقا ويحاول الإمساك بأي طرف لعله يَثنيه عما يفعله، وكأننا في مشهد مبتذل لفض عِراك بين غوغاء الشوارع ولكن لا محالة من حدوث ذلك، وهو يعرف بدليل تكراره لاستضافة هذه الضيوف ذات التاريخ الطويل المليء بالتفاهة والألسنة الطويلة يُحضرهم مرة أخرى ليرتعوا في الحلقة ويزيدوها سخونة ويملؤوها سبابا، ومؤكد هناك بوادر للضرب وأحيانا تمزيق للملابس، والأدهى من ذلك تلك الحلقة الشهيرة التي ما زالت عالقة في الأذهان إلي وقتنا هذا عندما أشهر أحدهم سلاحا ناريا في وجه الآخر دون أي اعتبار للمشاهد ولمذيع البرنامج الذي يريد حلقاته دائماً مشتعلة حتى ولو بالبارود الحي ولا حتى للقناة وأمنها الذي سمح بدخول مثل هذه الأشياء، والاحتمال الأكبر في هذه الحالة هو أن يكون كل ما حدث مجرد تمثيلية محبوكة من جميع الأطراف حتى تخرج الحلقة محملة بكثير من المتابعين وبالتالي تزداد نسبة الإقبال من المعلنين، وفي النهاية الكل يستفيد ما عدا المشاهد، هذا مثال من أمثلة كثيرة عرفناها عن هذا البرنامج الذي لا يحتوي على أي عامل من عوامل ضبط النفس، والمذيع المتألق يجلس بكل بساطة يردد كلماته ويقوم بدوره المعتاد وهو فعله لحاجز واقٍ بين تلك الأطراف المتنازعة التي تشعرك وكأنها تدافع عن قطعة أرض مغتصبة ولكنهم في النهاية يدافعون عن أهوائهم الشخصية فقط ورغباتهم الخاصة وفقا لأجندات بعينها موجهة من أشخاص بعينها أيضاً، لعل فيصل القاسم نفسه -دون اتهام- يدافع عن شيء ما يخصه، ويتضح هذا من طريقة تحيزه أحيانا لطرف على حساب الآخر بشكل واضح بات يعرفه المشاهدون؛ هكذا هي حلقات فيصل القاسم واتجاهاته المعاكسة مجرد حبس للأنفاس حتى النهاية لنشاهده بكل بساطة يُنهي حلقته وكأن شيئا لم يكن، فلا هو شعر بما يفعله بالمشاهد البسيط الذي بغى الحصول على بعض المعلومات من الحلقة ليفاجأ أن خرج محملاً بالكثير من الألفاظ والسلبيات التي تزداد يوماً بعد يوم سواء على الشاشة أو على أرض الواقع.