«التوك شو» فرض الرأي بالصوت العالي والأيدي الطويلة
استمرارا للمهزلة التي تحدث في برامج التوك شو من أصوات عالية ومتداخلة وألفاظ خارجة وحوارات مهلهلة لا تمت للحيادية والموضوعية بصلة وإحجام مُتعمد عن المألوف باستضافة ضيفين غير متناغمين بل متشددين في التوجه بحجة عرض الرأي والرأي الآخر الأمر الذي أصبح عادة ضرورية لابد منها لإشعال الفتيل في الحلقة لتزداد توهجا وسخونة، شاهدنا منذ عدة أيام في إحدى حلقات برنامج 90 دقيقة على فضائية المحور المصرية الذي تقدمه الإعلامية ريهام السهلي مشادة كلامية بين الكاتب الصحافي عبد الحليم قنديل ومنتصر الزيات محامي الجماعة الإسلامية والمناصر لجماعة الإخوان المحظورة، بل وصل الحال لأكثر من مجرد مشادة كلامية، فمع بداية الحلقة استعد الاثنان لمواجهة بعضهما البعض وكأنهما يتأهبان لحالة حرب سنراها على الشاشة، فكل منهما بدأ كلامه بهدنة حتى يستجدي الآخر بمقولة ''أنا أعتز بوجودك في الحلقة ويشرفني أن أكون معك''، ليتضح لنا فيما بعد أنه كلام مستهلك وبلا معنى ولا يصلح لأن يكون بداية للحوار الذي شاهدناه. كلا الطرفين نصب الفخ للآخر وتصيد له الأخطاء، فما أن يتحدث أحدهم حتى نجد الآخر يقاطعه مبديا اعتراضه على ما يقول ولكن بطريقة فيها من العدائية والسخرية الكثير وكأنهم نقضوا العهد والكلام الجميل الذي قيل مع بداية الحلقة التي ضاعت فيها الإعلامية ريهام السهلي المعروف عنها إدارتها الجيدة للحوار، ولكنها على ما يبدو لم تستطع أن تسيطر وتعطي تعليماتها لضيفيها الكريمين بالكف عما يفعلاه خلال الحلقة التي اتهم فيها كل طرف الطرف الآخر بالإلحاد والكفر أمام الملأ دون أي اعتبارات، ولكن إحقاقا للحق فالحلقة كانت مسرحية كوميدية بامتياز. الاثنان يجلسان وينظران لبعضهما نظرة كلها ترقب وامتعاض من الآخر وكأنه يقول له سأنال منك، والأدهى أن الملامح التي أوحت للمشاهدين بذلك كانت أيضاً تعطي الفرصة للضحك على هذه المهزلة من اثنين راشدين المفترض أنهما يتباحثان لإيجاد حلول للمشكلات السياسة، ولكننا وجدنا في الوقت نفسه شخصيتين في حوار ملؤه المراهقة السياسية فلم نر قبل ذلك حوار بهذه الطريقة الهدامة التي توالى فيها السباب والصراخ ومحاولة كل منها الانتصار على الآخر ليخرج من الحلقة بكأس الشجاعة والتميز لأنه كان صاحب النفس الطويل بل اليد الأطول في الحوار. ولأن المتعارف عليه في مثل هذه الحلبات الحوارية أن يتفوق طرف على الآخر، فوجدنا المحامي الشهير منتصر الزيات يفوز في البداية على نِده الكاتب عبد الحليم قنديل، بل ويتفوق عليه والسبب أنه خرج عن شعوره ورشقه بكوب الماء في وجهه في محاولة منه لإسكاته لعله يمسك سريعا بمقاليد الحوار بعدما فشل في فرض سيطرته على الحوار قبل هذا الموقف بدقائق، حيث ترك طاولة النقاش وخرج من الأستوديو ولكن بعد مفاوضات مع فريق الإعداد عاد مرة أخرى ليأخذ حقه وقد كان له. استمر منتصر في حديثه المنتصر ولم يُبادر حتى بالاعتذار بل إنه ظل يُجادل في حقائق حتى يبعد كل التهم الموجهة للرئيس المعزول محمد مرسي وجماعته على الرغم من الفيديوهات المصورة التي عرضها له البرنامج وأكدت عليها المذيعة التي ظلت تترجاه أن ينظر لما تَعرضه أمامه الشاشة حتى يراجع كلامه. من غير المنطق أن يتحدث الضيف في موضوع ووثائق الفيديو التي تعرض خلفه تُنافي ما يقوله، ولكنه ظل يتحدث دون أن يعطي لريهام السهلي أي اهتمام مردداً عبارة ''كنت أمانع أن أدلي بحديث على فضائية ساندت الانقلاب''، وهذا ما ينافي الكلام الذي قاله مع بداية الحلقة من أنه يعتز بالمذيعة والقناة، وأنه لم يمانع أن يأتي للقناة ما يجعلنا نقول إن تلك الحلقة كانت حلقة نفاق وتصفية حسابات بجدارة من جميع الأطراف، فبعد أن كان المحامي هو المنتصر داهمه الكاتب عبد الحليم قنديل بحركة لولبية لا يفعلها إلا الحواة بعد أن وجه سؤال للمذيعة هل الحلقة انتهت؟ فردت بالقول نعم، لنجده يحمل كوب الماء الذي أمامه ويرشق به المحامي في محاولة للأخذ بالثأر منه ورد كرامته أمام المشاهدين فقد كان كل همه أن يخرج من الحلقة محملا بالنصر الذي ظل ينتظره ويتكتك له طوال الحلقة. هكذا كانت حلقة العقلاء من السياسيين التي تأتي بهم الفضائيات ليقدموا النصائح للمشاهدين المساكين رشق بالألفاظ والمياه، فما بالكم لو كانت تلك الأكواب فيها مشروب ساخن مثل ألسنتهم، ماذا ستكون ردة الفعل حينها؟