أضرار الرعاية تُصيب البرامج الناجحة بسهام الفشل
التبعية الإعلامية هي سمة العصر؛ لأنها تعتبر المُحرك الأساسي لكثير من القضايا الشائكة في حياتنا، لذا لا بد أن يتم تصنيفها كأولوية حيوية ومهمة، فهي أصبحت حقاً محور اهتمام المشاهد، وذلك حتى يواصل الإعلام تنافسه بشكل يسمح له بتخطي الحدود، كذلك لا بد للتنافس من جرأة واستقلالية في طرح القضايا المهمة ووضعها في إطارها الصحيح، فقد أصبحت الوسيلة الإعلامية بكل أشكالها مسار جدل واهتمام الجميع، والحديث هنا عن برامج التوك شو وغيرها من التي تستهدف شرائح بعينها في مجتمعاتنا العربية، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو برامج معنية بالأسرة عموماً، فهناك كم هائل من تلك البرامج المُوجهة التي تعتبر بمثابة النافذة المفتوحة للأسرة، فالبرنامج يُتيح الدخول في مُحادثات هاتفية وسرد للأحداث والتفاعل مع المشاهد، فيصبح بذلك لمتابعيه طوق النجاة ومتنفس الحياة، هذا عن البرامج التلفزيونية ومدى أهميتها بالنسبة للمُتلقي، ولكن ومع وجود الكم الهائل من المتابعين الذي يَفخر ويَتباهى به مقدم أو معد البرنامج دوماً تجد في نفس الوقت أعين المُعلنين تترقب البرنامج، لكي تستثمر شهرة هذا البرنامج لعلها تأخذ منه الانتشار والدعاية الداعمة لها، ولكن بقوة النفوذ وسيطرة المال، فهو بلا شك مُحرك أساسي تقوم عليه المنظومة الإعلامية، بل هو أهم من أي عامل آخر، نعم أتى المال للبرنامج بعدما كان يقدم مُحتوى إعلاميا منشودا راقيا يرغب الكثيرون فيه ليسيطر بقوته ويوجهه في كثير من القضايا المطروحة، ولم لا فصاحب المال هو الآمر الناهي الذي يُهدد أحياناً بسحب دعايته إن لم تتم الاستجابة الفورية لمطالبه ليدخل البرنامج ومقدمه والقائمون عليه في دوامة إرضاء المُعلن حتى يصل البرنامج بمستواه لدرجة مضمحلة يُحجم عنها المتابعون، ويبدأ في التلاشي والاختفاء ليُصبح المُعلن هو المتابع الوحيد لدعايته التي صَوبت سهامها لبرنامج ناجح يخاطب كل الشرائح ويَتهافت عليه الجمهور، ولكنه المال كما ذكرنا يُخرب العقول، ويغير النفوس حتى يصبح الفكر الراقي المُتبع مجرد دمية يحركها صاحب السلطة.
ومع وجود هذه النوعية من البرامج التي تعمل من أجل أهواء شخصية تَتحارب وتتنافس لعرض قضايا دون المُستوى، نجد هناك على الجانب الآخر الكثير من البرامج المستقلة التي تدافع وتناضل حتى تكون الأبقى، وتقدم الأصلح، فهي تضع لنفسها خطة عمل مستقبلية، ولا تقبل بالمساس بها أيًّا كانت الضغوط الخارجية عليها، فهي تختار الموضوع مَحل النقاش والضيوف مَحل الحوار، وتضع الأسس لعوامل النجاح، ولا تلتفت للوراء حتى لا يضيع مجهودها سُدى، ثم تأتي للمشاهد المُنتظر في مواعيد عرض محددة مُنتظمة، ترفع سقف الحوار البناء، فيتضح للمشاهدين جلياً أنها على قدر من المسؤولية والدراية، لا تلهث وراء مُعلن يريد إهدار دمائها على يد إعلاناته المادية الخالصة التي تُضيع مجهودا كبيرا بذل حتى تنال ثقة الجمهور، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك، فيبدأ البرنامج قويا جذابا مليئا بالنشاط الإعلامي، يَرعاه مُنتج أو اثنان، ولكن مع نبوغه وبزوغه نجد الدعاية الترويجية قد أصبحت مَحل اهتمام ومحور جلسات مُقدم البرنامج، فَيتباهى بأن فُلانا تأتي إعلاناته بالكم هذا أو ذاك، ثم يَتخيل أنه قد أصبح ملك الإعلام، ولكن مع التغيير يأتي من يأخذ مكانه ويَحتل مملكته الوهمية دون سابق إنذار، فهذا المُقدم المسكين لا يعرف قانون اللعبة أن البقاء للأقوى والأصلح، وعليه دائماً أن يكون مَحل إعجاب الناس، لا يُخفف من وطأة حدث، أو يُغازل أحدا على هوى مُعلن، بل لا بد من الحيادية والوقوف على أرض صلبة ومنافسة شريفة، أيضاً لا بد من التكامل والتوازن حتى تُكلل التجربة الإعلامية له أيا كانت أشكالها بالنجاح، والدليل تَمسك الكثير من الفضائيات في برامجها بمُقدمي زمن الإعلام الجميل والمذيعين المخضرمين الذين لن يَجود علينا الزمان بمثلهم، وإن كانت هناك بعض الوجوه الجديدة تَتمتع بالحيادية والإتقان، ولكن الحذر كل الحذر من المُعلن المتربص المُميت لبرنامج سَطعت شَمسه وذاع صيته.