طفلة في الستين
ظلت نورة بنت حزام القحطاني رغم كل النجاحات، التي يحققها أبناؤها وأحفادها غير سعيدة. كان هناك شيء ما يكدر خاطرها. كيف تستمتع بحياتها وهي لا تستطيع أن تقرأ القرآن كبقية من حولها؟ حفظها للسور والآيات لا يمنحها الارتياح، الذي تنشده وتبتغيه. تبحث نورة عن سعادة عميقة تراها في وجوه كل مَن يتصفحون القرآن وهم يجلسون القرفصاء ممسكين به بعناية. كانت تحلم أن تحمله بكلتا يديها كما تفعل بناتها اللاتي يلوح بريق في أعينهن كلما احتضناه وتصفحاه وهن يرتدين جلال الصلاة. فتشت طويلا عن هذا البريق، لكن كانت ترتطم دائما بسؤال كصخرة: أين الطريق؟
حاولت الجدة نورة أن تنسى هذا الحلم أو تتناساه. فهي كبيرة في السن والآخرون يرددون أمامها ومن خلفها: "الكبير صعب أن يتعلم القراءة. العلم للصغار". لكن كان هناك صوت دفين يزأر في داخلها يقول: "تستطيعين".
تمسكت نورة بحلمها. لكن هذا الحلم كان ينزلق من يديها كلما وصلت إليه. عيناها تؤلمانها. أطرافها تتقاعس أحيانا عن أداء واجباتها. تتعثر في كل مرة تحاول أن تتعلم. لكن هذا التعثر لم يمنعها من النهوض. وهبها الله طاقة لتقوم وتكرر التجربة. سمعت في إحدى المرات عن مدارس محو الأمية في مدينتها الأحساء. ذهبت هناك مرتدية حلمها. خشيت عليها معلماتها أن تخبو جذوة حماسها مع مرور الأيام. خابت كل توقعاتهن. الأيام كانت وقودا للمزيد من الحماس والإصرار والسعادة. كلما تعلمت حرفا جديدا كررته كطفل. رددته عندما تشاهده مكتوبا على لافتة صيدلية أو مخبز. كانت تحتفل بالحروف كما يفعل الصغار. كانت طفلة في الستين. لم تعد تشبه الأطفال في تكرارهم بل حتى في حيويتهم. الشيء الوحيد الذي لم تأخذه منه مقتهم لمدارسهم. كانت نورة تحب مدرستها. يهفو قلبها إليها. عندما يوصلها ابنها إلى المدرسة كانت تنزل من مركبته على عجل. تتسارع خطواتها لتصل إلى فصلها على جناح السرعة. لم تكن الأولى في وصولها إلى فصلها فحسب، بل كانت الأولى على فصلها دراسيا. نجحت بتفوق وباتت تقرأ القرآن.
قدمت لأبنائها وأقاربها درسا عظيما أن بإمكانهم أن يتعلموا أشياء جديدة ولغات جديدة وخبرات جديدة مهما كانت أعمارهم. بوسعهم أن يبدعوا في مجالات أخرى. فهي بكل ظروفها وتحدياتها استطاعت أن تمسك بحلمها.
إذا أحببت شيئا وأقبلت عليه ستصل إليه. إن الحب يمهد لك كل الطرق. يصنع منك طفلا لا يهدأ حتى ينال مبتغاه.