أزمة التفكير «المخاطرة والإبداع»

روبرت كايوساكي أمريكي من سكان هاواي لعائلة تعود جذورها لليابان، ولد عام 1947م تربى لأب حاصل على الدكتوراه في مجال التعليم، وترأس دائرة التعليم في هاواي لفترة طويلة، إلا أن الأب عاش ومات فقيرا يعيش على حد الكفاف. في المقابل، كان زميل روبرت في المدرسة وجاره في الحي ابن لأب بالكاد أنهى تعليمه المتوسط، إلا أن هذا الأب كان يملك الكثير من الأعمال التجارية والعقارية، وقد تعلم روبرت وزميله من هذا الرجل الكثير، حتى كان هذا دافعا لروبرت ليؤلف كتابه الشهير (الأب الغني والأب الفقير) الذي كان يتحدث فيه عن أبيه الرجل الحائز على شهادة الدكتوراه (أبوه الفقير) ووالد صديقه - أبوه الغني - جاك ذي التعليم المتدني الذي مات وترك إمبراطورية قيمتها أكثر من ملياري دولار.
روبرت الذي كان يأخذ علامات متدنية في مواد اللغة، أصبح من أهم المؤلفين في العالم، روبرت الذي عاش لأب متعلم وفقير، يمتلك الآن أصولا عقارية وتجارية تتجاوز مئة مليون دولار، فما الذي غير حياة روبرت جذريا. وكما يقول هو، إن الدافع الأول كان والد الفقير، فهو لا يريد أن يعيش متعلما - كما يريد والده - لكن فقير، بل يريد أن يحقق نجاحا ينشله من الفقر إلى الغنى، ومن العيش على راتب متواضع، إلى العيش من ريع أصوله العقارية و أعماله التجارية التي تنمو بشكل أكبر من نسبة التضخم.
يقول روبرت إن الفارق الرئيس الذي جعل حياة والد صديقه مختلفة عن حياة والده هو طريقة مقاربة كل منها للخطأ والصواب، والد روبرت شخص أكاديمي يعلم الصواب، ويضع المناهج التي تعلم الطلاب الصواب عبر سرد تجارب نظرية أو تجارب عملية بسيطة، والد روبرت شخص يعيش في ظل نظام يرى الخطأ جريرة يعاقب عليها الطالب بخصم درجاته، ويجعل الطالب يعيش في دوامة الابتعاد عن الخطأ.
أما والد صديق روبرت - الأب الغني - فقد عاش في ظل نظام السوق، وفي ظل هذا النظام يتعلم الإنسان أن الخطأ عبارة عن تجربة يتعلم منها، ولا تعود عليه شخصيا بالنقص أو الخيبة، بل تكون حجراً يعبد به طريقه نحو النجاح والنمو، وهذا بالضبط ما علمه الأب الغني لابنه ولصديقه روبرت، وضعهم منذ نعومة أظافرهم في تجارب بسيطة، ليعيشوها بأنفسهم، وليفشلوا ولينجحوا، ليسقطوا وليقوموا وهو يراقبهم من بعيد، وعندما أراد روبرت أن يترك المدرسة ليتفرغ للعمل التجاري عارضه والد صديقه - الأب الغني - معارضة شديدة، فاستغرب روبرت منه، وتساءل عن السبب، فقال له الأب الغني: إن ما جعل والده يعيش فقيرا ليس المدرسة والمواد التي تدرس في المدرسة، لكنها الطريقة التي تدرس بها هذه المواد والمبنية على التخويف من الخطأ والتلقين لا المعايشة والتعلم من الخطأ كما هي الحالة في السوق.
ما يحتاج إليه أي نشئ أو جيل هو أن يعيش تجاربه و يقاربها برؤيته هو، أن يخطئ ليتعلم من خطئه، لا أن يكون عوداً جافاً سريع الانكسار، وهذا ما نحتاج إليه في بلدنا، أن يتغير نظام التعليم وتربيتنا لأبنائنا من أسلوب التلقين والحفظ إلى أسلوب المحاكاة والتجربة، وإذا كان الغرب على تقدمه العلمي والاقتصادي يشكو من أنظمته التعليمية التي لم تعد تواكب تطلعاتهم، فماذا نقول نحن؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي