هل الوقت مناسب لطرح شركات جديدة؟ (1 من 2)
أصبح هذا السؤال يتداول بشكل كبير في جميع الأوساط الاقتصادية والمالية وحتى الاجتماعية، على أساس أن وضع سوق الأسهم يعاني من كثير من الارتباك المالي في صفوف المتداولين مصحوبا بفقد الثقة فيه لدى السواد الأعظم منهم بعد الانتعاش التفاؤلي الكبير الذي صاحب ثورة سوق الأسهم الفعلية ابتدأ من عام 2003 عندما أغلق مؤشر السوق في نهاية العام على نحو 4.437، لتقوم بعدها الطفرة الحقيقية لسوق الأسهم عندما أغلق المؤشر على 8.206 بنهاية عام 2004 محققا نسبة نمو بلغت 84 في المائة وبلغ السوق ذروته في نهاية عام 2005، 16.712 محققا نسبة نمو قدرها 104 في المائة ليصل المؤشر إلى 20.6 ألف نقطة في شباط (فبراير) 2006 كأعلى نقطة يسجلها السوق السعودي في تاريخه بنسبة ارتفاع أكثر من 25 في المائة خلال شهرين فقط. وقامت بضع وسبعون شركة بهذه النقلة التاريخية إلى أن وصلت إلى حافة الانهيار الكبير ابتداء من شباط (فبراير) من عام 2006 ليخسر السوق نحو 70 في المائة من قيمته في خلال عام واحد، في حين خسرت بعض الأسهم نحو 90 في المائة من أعلى مستوياتها.
هذه المقدمة هي لرؤية السوق من الأعلى، أي للتحليل الكلي للسوق والبعد عن التفاصيل عند النظر إلى سوق الأسهم كقيمة اقتصادية على المستوى الاستثماري و مؤشر اقتصادي على البيئة الاستثمارية. والهدف هنا هو الوصول إلى نتيجة التحليل التاريخي لإحدى مؤثرات السوق والإجابة على سؤال: هل الوقت مناسب لطرح شركات جديدة؟
كانت جميع المؤشرات ومازالت تشير إلى أن السبب في تأرجح سوق الأسهم بشكل مثير يعود في المقام الأول إلى إشكالية كبيرة في تركيبته من حيث عدد الشركات وعدد الأسهم المطروحة للتداول وهذه الإشكالية ترتبط بشكل كبير بمؤثر مهم وهو مبدأ القوة الاقتصادية في الاستثمار Economy of Scale والتي تطبق بشكل كبير في سوق الأسهم الذي كان ولايزال يخضع لإرادة صناع السوق الذين كانوا وما زالوا يتحكمون في الأسعار بالشكل الذي يمكنهم من تحقيق أرباح كبيرة لا شيء إلا لمجرد امتلاكهم القوة الشرائية مدعومة بقلة الوعي الاستثماري لشريحة كبيرة من صغار المستثمرين من ناحية، ومن ناحية أخرى، وهي الأهم في هذا الطرح، هو ما سبق أن طرحته في مقال في هذه الزاوية في كانون الأول (ديسمبر) عام 2004 عن أهم ثلاثة عوامل تؤثر في السوق السعودي وهي حجم السوق و إدارة السوق و الإفصاح ومستوى الشفافية.
وسأكتفي هنا بتناول أحد تلك العوامل كما سبق طرحه سابقا و هو حجم السوق من ناحية عدد الشركات المدرجة، عدد الأسهم المطروحة للتداول، ونوعية الشركات المتداولة من ناحية القيمة الاقتصادية حتى شباط (فبراير) 2006.
لا جدل أن عدد الأسهم المطروحة للتداول في السوق السعودي وعدد الشركات المدرجة يعد في نظر المختصين متواضعا وقليلا مقارنة بغيره من الأسواق العالمية المتقدمة والناشئة, بل وحتى الأسواق الإقليمية. وفي سوق الكويت مثلاً نحو 114 شركه متداولة، وفي السوق المصري تبلغ الشركات أكثر ممن 750 شركه بينما عدد الشركات في السوق السعودي 78 شركة كما في نهاية عام 2005، بما في ذلك شركة ينساب التي تم التداول عليها في عام 2006.ومن ناحية أكثر عمقاً وعلى الرغم من تنازل الدولة عن جزء من أسهمها عن طريق التخصيص ابتداء من "سابك" مروراً بـ "الاتصالات" إلى الشركة التعاونية للتأمين، إلا أن الأرقام تؤكد أن ما يتم تداوله في سوق الأسهم المحلي من أسهم لا يمثل العدد الإجمالي للأسهم المسجلة في السوق. فالدولة ما زالت تملك نصيبا كبيرا من الأسهم، وهي أسهم لا يمكن تداولها مطلقا بأي حال من الأحوال إلا من خلال التخصيص الكلي. أضف إلى ذلك ملكية بعض العائلات التجارية لنسبة جيدة في الشركات المساهمة وهي تعد أسهم ملكية أكثر منها أسهما استثمارية يتم تداولها. هذا الافتراض يقودنا إلى أن قلة عدد الأسهم المطروحة في السوق لا تشجع على إيجاد بيئة استثمارية صحية في سوق الأسهم.
ولاستمرار الحديث عن حجم السوق، تم طرح خمس شركات في عام 2005 وهي: "التعاونية للتأمين"، بنك البلاد، شركة سدافكو وشركة المراعي، إضافة إلى شركة ينساب التي تم تداولها في عام 2006. في حين قامت 18 شركة مساهمة مدرجة في السوق برفع رساميلها بإصدار أسهم جديدة عن طريق الاكتتاب الخاص المقصور على مساهميها أو من خلال منح أسهم مجانية.
في ظل هذه المعطيات، فإن الأرقام تشير بوضوح إلى أن بالونة سوق الأسهم السعودي وصلت حد الانفجار بسبب أن القيمة السوقية لسوق الأسهم وصلت إلى أكثر من 2440 مليار ريال في نهاية عام 2005 بعد أن كانت 1150 مليار ريال بنهاية عام 2004 بنسبة ارتفاع قدرها 112 في المائة لتعود وتخسر كل تلك الإضافة وتعود قيمته السوقية إلى 1226 مليار ريال بنهاية عام 2006 وأقل من ذلك خلال عام 2007 أي إلى نقطة البداية.
ماذا بعد؟
في الأسبوع المقبل بإذن الله سنستعرض متغيرات حجم السوق من انهيار شباط (فبراير) إلى اليوم، وكذلك محاولة التفريق بين حجم السوق وعمقها، بهدف الوصول إلى تصور أكبر يساعدنا على الإجابة على السؤال: هل الوقت مناسب لطرح شركات جديدة؟