لكي تكون لدينا صناعة بمعنى الكلمة
الدراسة التي أعدتها إحدى دور الاستشارات الاقتصادية لغرفة الرياض أخيرا لا تحتوي على التلميع الإعلامي أو الترقيع التجاري. تتحدث الدراسة عن صعوبة تطبيق نسب السعودة المفروضة في بعض الأنشطة الصناعية، كما تزف إلينا نبأ ارتفاع نسبة الوافدين في القطاع الصناعي بنسبة 88 في المائة من إجمالي العمالة في القطاع، وانخفاض نسبة السعوديين إلى 12 في المائة. هناك طبعاً منافسة غير متكافئة مع العمالة الوافدة من حيث مستوى التأهيل والخبرة والأجر، فضلاً عن تفاوت في المزايا الوظيفية التي يقدمها القطاع العام مقارنة بالقطاع الخاص. مازالت هناك نظرة دونية من المجتمع للعمل اليدوي والمهني لأننا لم نُدخِلْ في ثقافتنا التعليمية أو الاجتماعية بعد أن الأعمال الصناعية المهنية ليست عيباً بل هي مصدر تقدم الشعوب وفخرها.
كالعادة أغفلنا وعن سبق إصرار أهمية الموارد البشرية في القطاع الصناعي. فقد كشفت دراسة غرفة الرياض عن سلبية دوام الفترتين وبُعد المنطقة الصناعية عن أماكن السكن، وقلة الراتب والحوافز التي تدفعها المصانع مقارنة بطول ساعات الدوام. كذلك يرى البعض أن أصحاب المصانع يفضلون العامل الأجنبي على المواطن بسبب الراتب وبحجة الخبرة العلمية، فلا مخرجات التعليم أفادت الصناعيين ولا المؤسسات توظف الخريجين دون خبرة. طُرِحَتْ أيضاً فرضية عدم ملاءمة وظائف القطاع الصناعي لمؤهلات الباحثين عن العمل, فالوظائف في واد والمؤهلات في وادٍ آخر، ناهيك عن انعدام الأمن الوظيفي في القطاع الصناعي و"سوء" بيئة العمل في المناطق الصناعية. لم تكن الدراسة قاتمة فقط بل سلطت الضوء على الكثير من عيوبنا التي أهملناها طيلة عدة سنوات.
هناك معطيات لا بد أن تقابلها خطط تفعيل واضحة على أرض الواقع. فالمملكة فتحت المجال لمشاريع استثمارية جديدة تصل قيمتها إلى تريليون دولار على مدى الـ 15 سنة المقبلة, مما سيضعنا ضمن أكبر عشرة اقتصادات في العالم في 2010. إضافة لذلك، خصصت المملكة مبلغ 80 مليار دولار لإقامة مدن صناعية جديدة في رابغ وحائل والمدينة المنورة وجازان. مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، التي ستقام على مساحة 168 مليون متر مربع (أكبر من مساحة باريس) بمرافقها الصناعية والتجارية والأهلية ستكون معلماً حضارياً تفتخر به الأجيال. كما أن هناك خطة لتأسيس منطقة حرة للصناعات التقنية لتشجيع الاستثمار وتأسيس حاضنات لمشاريع في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات. هذه هي المعطيات فأين هي خطط التفعيل؟
أتفق مع المهندس حسين حسن أبو داود فيما قاله على صفحات هذه الجريدة بتاريخ 2/6/2007 من "أننا في وضع شاذ لأننا نملك المليارات من أصل الطاقة تحت الأرض ثم نستجدي الطاقة فوقها ونفتقر للضروري منها." لا أعتقد أن زيادة تعرفة الكهرباء على الصناعة الصغيرة والمتوسطة ستجدي نفعاً لأن شركة الكهرباء لا تبيع اليوم لهذا القطاع بخسارة بل بسعر أعلى من تكلفتها القائمة. السؤال المهم هو: لماذا زادت تكاليف تشغيل شركة الكهرباء بين عامي 2002 و2006 إلى أكثر من الثلث في الوقت الذي كان أهم الأهداف التي دعت إلى دمج شركات الكهرباء هو تخفيض التكاليف التشغيلية, ما يحقق الكفاءة التشغيلية تحت إدارة واحدة؟ إذا كنا حقاً نريد تشجيع الاستثمار الصناعي فلعلنا نبدأ بتأمين الاحتياجات الأولية للمستثمرين مثل الأراضي الصناعية والطاقة بأسعار معقولة ومتوازنة.
هناك أيضاً موضوع ضرورة مساعدة القطاع الخاص على الاستثمار وإعطائه الفرصة لسعودة الوظائف وفق خطة زمنية معقولة ودون الالتزام بنسب معينة. أضف إلى ذلك متطلبات الجودة الآخذة في الاتساع وأهمية التنافسية وضرورة تأسيس وصيانة البنية القانونية والتسويقية والتعليمية. نريد تأسيس برامج تدريبية مهنية وعرض فرص عمل على الشباب السعودي في المجالات الصناعية وبمساهمة من صندوق تنمية الموارد البشرية. كذلك هناك ضرورة لإيجاد فرص عمل للمرأة بما في ذلك إنشاء منطقة صناعية خاصة بالمرأة تجمع فيها الصناعات التي تعمل فيها النساء. نريد إتاحة الفرصة للقطاع الصناعي لإنشاء كليات ومعاهد تقنية أهلية ترتبط بالمناطق الصناعية لتوفير إمكانية التدريب عبر برامج تدريب مشتركة بين المصانع والكليات. ولن تكتمل الصورة دون إنشاء مكاتب علاقات الخريجين في معاهد التدريب لتكون حلقة وصل بين الخريجين وأصحاب العمل. رغم ثرواتنا الهائلة وخططنا التنموية ودراساتنا الاستشارية، ما زلنا في بداية الطريق وأمامنا الكثير من التحديات لتحقيق الإنجازات التنموية.